للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالجهادِ الكبيرِ، ولا حقِّ الجهادِ، مع عظَمَتِهِ وفضلِه وجلالةِ قَدْرِه، فإنْ جاز الرِّهَانُ في إظهارِ الحقِّ بالسِّنانِ في النَّصْلِ والخُفِّ والحافرِ، ففي المناظَرةِ والمُحاجَجةِ مِثلُهُ أو آكَدُ منه، ولا يكونُ هذا بابًا يدخُلُ منه المُتسابِقونَ في فضولِ العلمِ التي لا تُحِقُّ الحقَّ في الناسِ، فلم يكنِ الفقهاءُ يُدخِلونَ هذا النوعَ فيما أجازُوهُ من فِعْلِ أبي بكرٍ -رضي اللَّه عنه-.

وأمَّا ما جاء في حديثِ البَرَاءِ في رِهَانِ أبي بكرٍ مع قريشٍ عندَ ابنِ أبي حاتمٍ؛ أنَّه قال في المالِ: فجاء به أبو بكرِ إلى النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: (هَذَا السُّحْتُ، تَصَدَّقْ بِهِ) (١)، وما أخرَجَ أبو يَعْلَى في حديثِ البراءِ أيضًا؛ قال فيه: فقال رسولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: (هَذَا لِلنَّجَائِبِ) (٢)، وكأنَّه جعَلَ المالَ للحيوانِ لا يأكُلُهُ الإنسانُ-: فحديثُ البَرَاءِ تفرَّدَ به مؤمَّلُ بنُ إسماعيلَ؛ وفي حفظِهِ وهَمٌ وغَلَطٌ.

وأمَّا ما رواة ابنُ خُزَيمةَ في "التوحيدِ"، في حديثِ نِيَارِ ينِ مُكْرَمٍ في رِهانِ أبي بكرٍ، وفيه: "وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ فِي الرِّهَانِ مَا نَزَلَ" (٣)، فحديثُ نِيَارِ تفرَّدَ به ابنُ أبي الزِّنادِ، عن أبيه، عن عروةَ بنِ الزُّبَيْرِ، عن نِيَارٍ؛ به، ثمَّ هو ليس مِن كلامِ نِيَارٍ؛ وإنَّما مِن كلامِ بعضِ الرُّواةِ عنه.

أحكامُ العِوَضِ (السَّبَقِ) واشتراطُ المحلِّلِ في الرِّهانِ:

لا يختلِفُ الفقهاءُ في جوازِ أخذِ المالِ في الرِّهَانِ والمسابَقَةِ إنْ كان المالُ مبذولًا مِن بيتِ المالِ، أو مِن مالِ الإمامِ أو نائبِه، وقد حكى الإجماعَ الزركشيُّ (٤) وغيرُه، وقد كان النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يفعلُ ذلك؛ كما ثبَت مِن


(١) "تفسير ابن أبي حاتم" (٩/ ٣٠٨٦).
(٢) "إتحاف الخيرة" البوصري (٥٧٨١)، و"المطالب العالية" لابن حجر (٣٦٨٠).
(٣) "التوحيد"؛ لابن خزيمة (١/ ٤٠٥).
(٤) "شرح الزركشي على الخرقي" (٤/ ٣٢١).

<<  <  ج: ص:  >  >>