عمومَ هذه العلةِ، أدخَلَ فيها ما في حُكْمِها ممَّا يُظهِرُ قوةَ الإسلامِ وعِزَّتَهُ، فأجازُوا الرِّهَانَ في مسائلِ العلمِ، والرهانَ على المباحَثَاتِ والمناظَرَاتِ، وخاصَّةً ما كان بينَ المُسلِمينَ وغيرِهم مِن رؤوسِ المِلَلِ الكُفْرِيَّةِ؛ كرُهْبانِ النصارى وأحبارِ اليهودِ.
والجمهورُ القائلونَ بالمنعِ يختلِفونَ في الحيوانِ الذي يجوزُ فيه أخذُ السَّبَقِ، وهو (العِوَضُ)، واختلافُهُمْ دليلٌ على عدمِ استقرارِ علةِ الترخيصِ الواردِ في الحديثِ عندَهم:
فالأظهرُ عندَ الشافعيَّةِ جوازُ السَّبَقِ بأنْ يكونَ في الخيلِ، والإبلِ، والفِيلِ، والبغلِ، والحمارِ، ويَرى المالكيَّةُ: أنَّه مقصورٌ على الخيلِ والإبلِ، ويَرى الحنفيَّةُ: جوازَ السَّبَقِ على الأرجُلِ بلا رُكُوبٍ.
والأظهرُ: عمومُ العلةِ في كلِّ قوةٍ يكونُ في مِثْلِها إعدادٌ وظهورٌ للحقِّ؛ فإنَّ الاقتصارَ على نصِّ الحديثِ يَقصُرُهُ على رمي السِّهامِ، ويَمنَعُ من الرمي بالسلاحِ والرصاصِ اليومَ؛ وهو أشَدُّ وأعظَمُ نِكايةً في العدوِّ؛ ولا يشُكُّ عاقلٌ في هذا.
وقد تصارَعَ النبيُّ ﷺ مع رُكَانَةَ على شاةٍ يَغْرَمُها المغلوبُ، ورُويَتْ تلك القصةُ بأسانيدَ، منها المتصِلُ، ومنها المُرسَلُ، يدُلُّ على أنَّ لها أصلًا، ولم يُنكَرِ الفعلُ الواردُ فيها مِن نُقَّادِ المتونِ، وأمَّا ما رَوى أبو داودَ أنَّ النبيَّ ﷺ أرجَعَ المالَ لِرُكَانةَ ولم يأخُذْهُ، فهو مخرَّجٌ في "مَراسيلِه"(١).
وجهادُ اللِّسَانِ أَمْضَى مِن جهادِ السِّنَانِ لِمَنْ قدَرَ عليه وسدَّدَه اللَّهُ، وقد سمَّى اللَّهُ جهادَ اللِّسَانِ جهادًا كبيرًا؛ فقال: ﴿وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا﴾ [الفرقان ٥٢]، وسمَّاهُ حقَّ الجهادِ: ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ﴾ [الحج: ٧٨]، وهذا كان بِمَكَّةَ، ولم يُسَمِّ اللَّهُ جهادَ السِّنانِ