للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإنَّما هي شُعبةٌ مِن شُعَبِ الإيمانِ ليسَتْ وحدَها علامَةً على شيءٍ.

عمومُ أصلِ الخِطَابِ بالحِجَابِ وخَصُوصيَّةُ نساءِ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-:

والخِطابُ في هذه الآيةِ وما قبلَها وما بعدَها وإنْ كان موجَّهًا لأمَّهاتِ المؤمنينَ، إلَّا أنَّه عامٌّ يشترِكُ معَهُنَّ فيه في عمومِ الحُكْمِ بقيَّةُ النِّساءِ؛ ولكنَّ نساءَ النبيِّ أشَدُّ وأعظَمُ تأكيدًا؛ ولهذا قال: {مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} [الأحزاب: ٣٠]؛ يعني: أنَّ أصلَ العذابِ مشتَرَكٌ؛ ولكنَّ الفَرْقَ تضعيفُ الحُكْمِ وتشديدُه، ومِثلَ ذلك قالَهُ في الثوابِ: {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ} [الأحزاب: ٣١]؛ يعني: أنَّ هناك ثوابًا مشتَرَكًا مع بقيةِ النِّساءِ؛ ولكنْ لَهُنَّ الثوابُ مضاعَفٌ.

وبيانُ عمومِ أصلِ الحُكْمِ في هذه الآياتِ، واشتراكِ عمومِ نساءِ المؤمنينَ به - مِن وُجُوهٍ:

أولًا: أنَّ القرآنَ عامٌ للناسِ بجميعِهِ؛ كما قال تعالى: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام: ١٩]؛ أي: مَن يَبْلُغُهُ ما فيه ممَّن يجيءُ بعدَكم، فهو حُجَّةٌ عليه، والعِبْرةُ بعمومِ حُكْمِه، وإنْ تمَّ تخصيصُ الخِطَابِ لأعلى البشرِ، وهم الأنبياءُ، فضلًا عن آحادِ الصحابةِ وأزواجِ الأنبياءِ؛ لقولهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- كما في "صحيحِ مسلمٍ": (إِنَّ اللَّهَ أَمَرَ المُؤْمِنِينَ، بِمَا أمَرَ بِهِ المُرْسَلِينَ) (١)، فإذا كان خِطابُّ الأنبياءِ الواردُ في القرآنِ المخصوصونَ به عامًّا لأهلِ الإيمانِ، فكيف بخِطَابٍ توجَّهَ لِمَنْ هو دونَهم؟ ! فإذا دخَلَ المؤمنونَ في خِطابِ الأنبياءِ، فدخولُ النِّساءِ في خِطاب أمَّهاتِ المؤمنينَ أَوْلى.

ثانيًا: أنَّ تخصيصَ القرآنِ لأحدٍ بعينِهِ لمزيدِ اهتمامٍ فيه، وأنَّه أَولى بالاتِّباعِ مِن غيرِه، والخَصُوصِيَّةُ لا تثبُتُ إلَّا بدليلٍ زائدٍ عن مجرَّدِ


(١) أخرجه مسلم (١٠١٥)؛ من حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-.

<<  <  ج: ص:  >  >>