للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد تكلَّفَ بعضُ المعاصِرِينَ ليُوافِقَ المَلَاحِدةَ الذين يقولونَ بنظريَّةِ النُّشُوءِ والتطوُّر، وبعضَ علماءِ الطبيعةِ الذين يَذكُرُونَ عُمْرَ الأرضِ بملايينَ طويلةٍ، وتكلُّفَهم بأنَّ الأرضَ معمورةٌ قبلَ بشريَّةِ آدمَ مِن بشرٍ آخَرِينَ، وتعسَّفُوا أدلةً لذلك مِن القرآنِ.

العورةُ بين الزوجَيْن:

وأنزَلَ اللهُ اللِّباسَ وشرَعَ الاستِتارَ بكلِّ حالٍ، وجعَلَ الاستِتارَ هو الأصلَ، والكشفَ والنَّزْعَ عارِضًا.

ولمَّا رخَّصَ اللهُ للرَّجُلِ مِن زوجتِهِ وللمولى من أَمَتِه، فالرُّخصةُ بما قامَتِ الحاجةُ إليه، فليس للزَّوجَينِ أنْ يَبْقَيَا عُرَاةً - ولو لم يَرَهُما أحدٌ - بلا حاجةٍ، ولا أنْ تبقَى الأَمَةُ متعرِّيةً عندَ سيِّدِها بلا حاجةٍ، وقد كَرِهَ مالكٌ أن يَكشِفَ الرجُلُ فَخِذَهُ عندَ زوجتِه؛ يعني: بلا حاجةٍ؛ وذلك مِن مالكِ أحفَظُ لغريزةِ الحياء، وأدوَمُ لغريزةِ الشهوةِ.

ولمَّا رُفِعَ أبوابُ العَوْراتِ بينَ الزوجَيْن، لم يكنْ ذلك مُسقِطًا لبابِ الحياءِ بينَهما، فتُكشَفُ العَوْراتُ عندَ الحاجات، ولو لم يَأْثَمَا بكَشْفِها في غيرِ حاجةٍ، ومِن الفِطْرةِ: الاستِتارُ والتزيُّن باللِّباسِ ولو بينَ الزوجَيْن، وإبداءُ السَّوْءَتَيْنِ والعوراتِ بينَ الزوجَيْنِ بلا حاجةٍ ولا مَقصَدٍ مأذونٍ به: مكروهٌ؟ لأنَّه يُسقِطُ هَيبَةَ الحياءِ في النفس، وتزهدُ نفوسُ بعضِهما في بعضٍ، وتتشوَّفُ إلى غيرِهما مِن الحرام، وقد فطَرَ اللهُ آدمَ وحوَّاءَ على ذلك، فسَتَرَا عَوْراتِهما بوَرَقِ الشجرِ مع أنه لا يَراهُما أحدٌ مِن البشرِ غيرُهما، فليس لهما ذريَّةٌ عندَ ذلك؛ ولذلك قال تعالى: ﴿يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا﴾ [الأعراف: ٢٧]، فجعَل رؤيةَ بعضِهما لبعضٍ بلا حاجةٍ مِن مقاصدِ الشيطانِ ولو كانتْ مباحةً في الأصل، ولكنَّ الأصلَ السَّتْرُ واللِّبَاسُ، وأمَّا الكشفُ فعارضٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>