وفي الآيةِ: إشارةٌ إلى أنَّ الحَكَمَيْنِ إنِ اتفَقَا، لَزِمَ قولُهما ولو لم يَقُمِ الزوجانِ بتوكيلِهما، فالحَكَمانِ يَقضيانِ على الزوجَيْنِ بالحقِّ الذي لم يُخالِفْ حُكْمًا في الكتابِ والسُّنَّة، وحَكَى بعضُ العلماءِ الإجماعَ على أنَّ حُكمَ الحَكَمَيْنِ إنِ اتَّفَقَا مُلْزِمٌ للزوجَيْنِ.
وهذا في حالِ اتِّفَاقِ الحَكَمَيْن، وأمَّا في حالِ اختلافِهما، فلا يَلْزَمُ قولُ كلِّ واحدٍ الآخَرَ، ولا يَلْزَمُ الزوجَيْنِ منِ ذلك شيءٌ؛ لأنَّ اللهَ جعَلَ توفيقَهُ للزوجَيْنِ في اتفاقِ الحَكَمَين، فتوفيقُ الزوجين فرعٌ عن توفيقِ الحَكَمَيْنِ كما في قوله: ﴿إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا﴾.
تفريقُ الحكمَيْنِ بين الزوجَيْنِ:
وهذا في اتِّفاقِ الحَكَمَيْنِ في غيرِ التفريقِ بينَ الزوجَين، وأمَّا إنِ اتَّفَقَ الحكمانِ في التفريقِ بينَ الزَّوجَيْن، فقد اختلَفَ العلماءُ في الإلزامِ به:
القولُ الأولُ: الإلزامُ به ولو في التفريقِ؛ وهو قولُ عثمانَ وعليِّ بنِ أبي طالب، وقولُ ابنِ عَبَّاسِ ومعاويةَ؛ وذهَبَ إليه مالكٌ، وهو أحدُ قولَي الشافعيِّ، فيُفرِّقُ بينَهما؛ فيُعطي الذي مِن أهلِها العِوَضَ، ويُطلِّقُ الذي مِن أهلِ الزوجِ.
القولُ الثاني: عدمُ إلزامِهما بالتفريقِ ولو اتَّفَقَا، ما لم يجعَلِ الزوجانِ ذلك إليهما؛ وهو قولُ عطاءٍ وقتادةَ والحَسَن، وذهَبَ إلى هذا
(١) "تفسير الطبري" (٦/ ٧٣٠ - ٧٣١)، و"تفسير ابن المنذر" (٢/ ٦٩٩)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (٣/ ٩٤٦).