تطبَّعَت نفوسُ الناسِ عليه، وتوارَدَ على الأذهانِ انصرافُ الذهنِ إليه عندَ ذِكرِه، فدلك العُرْفُ.
أنواعُ أعرافِ الناسِ:
وتختلِفُ البلدانُ في أعرافِها، وكلُّ بلدٍ محكومٌ بعُرفِهِ ما لم يَفصِلْ فيه الحُكْمُ مِن الشرع، وقد اعتبَرَ بالعُرْفِ السلفُ لظواهرِ الأدلَّة، والعُرْفُ على نوعَيْنِ:
عُرْفٌ فاسدٌ، وعُرْفٌ صالحٌ:
فأمَّا العرفُ الفاسدُ: فما خالَفَ الشرعَ والفِطْرةَ الصحيحةَ، فلو تعارَفَ الناسُ على محرَّمِ وشرٍّ، فيجبُ إنكارُهُ فضلًا عن كونِهِ دليلًا يستحِقُّ الأخذَ به، فقد تعارَفَتِ الأممُ على حرامٍ جاءَ الأنبياءُ بإنكارِه؛ مِن الكُفْر، وأكلِ أموالِ الناسِ بالباطل، واللواط، وتطفيفِ المِكْيالِ والمِيزان، والتعرِّي، والبغيِ والظُّلْم، وَوَأْدِ البنات، وقتلِ الأولادِ.
وأمَّا العرفُ الصحيحُ: فما لم يُعارِضْ ما حَدَّتْهُ الشريعةُ ووصَفَتْهُ، فالأخدُ بذلك صحيحٌ، ويُحمَلُ مجملُ الأقوالِ والأفعالِ والشروطِ عليه؛ فالقاعدةُ عندَ الفقهاء: أنَّ المعروفَ عُرْفا كالشروط شرطًا، وذلك في الحقوقِ والعقودِ والشروط، والألفاظ، كالقذفِ والسَّبِّ والاستهزاءِ وغيرِ ذلك، وقد قال اللهُ تعالىْ ﴿وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [البقرة: ٢٣٣]، وقال ﷺ لِهِنْدٍ زَوْجةِ أبي سُفْيانَ، وقد شكَت له شُحَّ زَوْجِها:(خُذِي مَا يَكفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالمَعْرُوفِ)؛ رواهُ البخاريُّ (١).
وقد يَرِدُ في الشرعِ العملُ على عُرْفِ الصدرِ الأوَّل، لا تعيينًا له