للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تركُ القتالِ لمجرَّدِ الخوفِ:

ووجودُ الخوفِ مِنَ العدوِّ لا يجوزُ أن يمنَعَ القتالَ، ولو جُعِلَ الخوفُ مانعًا، لَمَا شُرعَ القتالُ، بل إنَّ اللهَ يَنهى عنِ الخوف، وهو الذي يَبتلي له؛ لِيَختبِرَ المُمتثِلَ الصابرَ مِنَ العاصي الجَزعِ؛ فال تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة: ١٥٥].

والله يأذَنُ بوجودِ الخوفِ في النفوسِ قَدَرًا، ولكنَّ اللهَ يَنهى عن الاستجابةِ له والعملِ به والاسترسالِ معَهُ شَرْعًا، ويبيِّنُ اللهُ أنَّ خوفَ النفوسِ مِن عدوِّها ابتلاءٌ منه وسلاحٌ للشيطانِ وأوليائِهِ ليُوهِنَ الذين آمَنوا؛ فاللهُ جعَلَ الذين يُخوِّفونَ مِن عدوِّه شياطينَ الجنِّ؛ كما في قولِه: ﴿إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: ١٧٥]، وشياطينَ الإنسِ؛ كما في قولِه تعالى: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ﴾ [الزمر: ٣٦].

تخويفُ الشيطانِ للمؤمنين:

وتخويفُ الشيطانِ للمؤمنينَ مِن أوليائِهِ يكونُ بتعظيمِ قوَّتِهم وأثَرِهمِ في نفوسِ المؤمنينَ، وتكثيرِ عدَدِهم، وتصويرِ بأسِهِم بالشِّدَّة، والأصلُ أنَّ الاستجابةَ لكلِّ خوفٍ في تعطيلِ حُكْمِ اللهِ هو وَصْفُ المنافِقينَ؛ كما في قولِه تعالى: ﴿فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ﴾ [الأحزاب: ١٩].

ولم يأمُرِ اللهُ بعدَم الاستحالةِ لكلِّ خوفٍ مِن العدوِّ؛ لأنَّ منه ما هو متحقِّقٌ يُوجِبُ الإحجامَ أو الصُّلْحَ والمهادَنةَ أو تغييرَ سياسةِ المواجَهة، ولكنَّ اللهَ جعَلَ ميزانَ الخوفِ وتقديرَهُ في تأثيرِهِ في الحُكْمِ بإرجاعِهِ إلى الشريعةِ، وبه تُوزَنُ المصالحُ والمفاسدُ: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ

<<  <  ج: ص:  >  >>