للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِحُكْمِ اللهِ) (١).

ولم يجعَلْه أبو حنيفةَ دليلًا على البلوغِ، والصحيحُ خلافُ قولِه؛ لثبوتِ الدليلِ في ذلك؛ فقد روى أحمدُ، وأصحاب "السُّنَنِ"، عن عبدِ الملكِ بنِ عُمَيرِ: حَدَّثَنِي عَطِيَّةُ الْقُرَظِيُّ، قَالَ: "كُنْتُ مِنْ سَبْي بَنِي قُرَيْظَةَ، فَكَانُوا يَنْظُرُونَ؛ فَمَنْ أَنْبَتَ الشَّعْرَ قُتِلَ، وَمَنْ لَمْ يُنْبِتْ لَمْ يُقْتَلْ، فَكُنْتُ فِيمَنْ لَمْ يُنْبِتْ" (٢).

وسندُه صحيحٌ، وله طُرُقٌ، ولو لم يكونُوا بالِغِينَ، ما قَتَلَهم، ولا قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: (قَضَيْتَ بِحُكمِ اللهِ)؛ لأنَّ الصغيرَ غيرُ مُكلَّفٍ؛ فلا تَجرِي عليه الحدودُ، وخاصَّةَ القتلَ.

وقولُه: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا} الإيناسُ: المعرفةُ والإدراكُ؛ روى عليُّ بنُ أبي طلحةَ عن ابنِ عبَّاسٍ قال: "عرَفْتُم منهم رُشْدًا" (٣).

وهذا كما في قولِهِ تعالى: {إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ} [طه: ١٠].

معنى بلوغِ الرُّشْدِ:

والرشدُ: هو العقلُ؛ قاله مجاهدٌ (٤)؛ فما كلُّ بالغٍ راشدًا عاقلًا، فالصبيُّ ينشَأُ سفيهًا، فربَّما صاحَبَهُ السَّفَهُ بعدَ بلوغِهِ عامًا أو أعوامًا، ويُعرَفُ رُشدُهُ بمعرفةِ مواضعِ الشرِّ والخيرِ وتَوَقِّيها، ومجرد المعرِفةِ لا تجعلُهُ راشدًا حتى يتوقَّى.


(١) أخرجه البخاري (٤١٢١) (٥/ ١١٢)، ومسلم (١٧٦٨) (٣/ ١٣٨٨).
(٢) أخرجه أحمد (١٨٧٧٦) (٤/ ٣١٠)، وأبو داود (٤٤٠٤) (٤/ ١٤١)، والترمذي (١٥٨٤) (٤/ ١٤٥)، والنسائي في "السنن الكبرى" (٨٥٦٧) (٨/ ٢٥)، وابن ماجه (٢٥٤١) (٢/ ٨٤٩).
(٣) "تفسير الطبري" (٦/ ٤٠٤)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (٣/ ٨٦٥).
(٤) "تفسير الطبري" (٦/ ٤٠٦)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (٣/ ٨٦٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>