للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن تخرُجَ؟ فقال: يَمْنَعُني أنَّ اللهَ حَرَّمَ دَمَ أخي، فقالا: ألم يقُلِ اللهُ تعالى: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ﴾؟ فقال ابنُ عمرَ: "قاتَلْنا مَعَ رسولِ اللهِ حتَّى لم تكُنْ فِتْنةٌ وكان الدِّينُ للهِ، وأنتُم تُرِيدُونَ أن تُقاتِلُوا حتَّى تكونَ فِتْنةٌ، ويكونَ الدِّينُ لغيرِ اللهِ" (١)، قال ابنُ عمرَ: "كان الإسلامُ قليلًا فكان الرَّجُلُ يُفتَنُ في دِينِهِ؛ إمَّا قتَلُوهُ، وإمَّا عذَّبُوه، حتَّى كَثُرَ الإسلامُ، فلم تكُنْ فتنةٌ" (٢).

وقولُه: ﴿فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ﴾؛ أيْ: فإنِ انتهَوْا عن نقضِ الصُّلْحِ، أو فإنِ انتهَوْا عنِ الشِّرْكِ بأنْ آمَنُوا، فلا عُدْوانَ عليهم.

الحِكْمةُ مِن مشروعيَّةِ الجِهاد:

وفي الآيةِ: دليلٌ على أنَّ الأصلَ في مشروعيَّةِ الجهادِ هو إبلاغُ الدِّين، وتقويةُ الإسلامِ والمسلمين، وإضعافُ الكفرِ والكافرين؛ وذلك أنَّ قولَه: ﴿حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾ ليس المرادُ منه هو إزالةَ الكُفرِ وأهلِه؛ وذلك أنَّ اللهَ في سابِقِ عِلْمِهِ وتقديرِهِ بقاءُ الكُفْرِ والكفارِ إلى آخِرِ الزَّمَانِ لحكمةٍ اقتضَتْ ذلك، ولكنَّ المرادَ هو إضعافُ شَوْكَتِهم وهَيْبتِهم؛ حتَّى لا يُرْهِبوا المؤمِنِينَ، ولا تتشوَّفَ نفوسُ ضعفاءِ المؤمِنِينَ إلى تقليدِهم لقوَّتِهم، ولا يجِدَ المنافِقُونَ عَضُدًا قويًّا خارجًا لهم.

وعلى هذا: فأعلى مصالحِ الجهادِ: نَشْرُ الحقِّ، وإضعافُ الكفرِ وتقويةُ الإسلامِ وحمايتُهُ، ثمَّ يليها المصالحُ التابِعةُ لذلك؛ كأخذِ المالِ غنيمةً وفَيْئًا وجِزْيةً.

وقد جاء في السُّنَّةِ نصوصٌ كثيرةٌ تدُلُّ على أنَّ المرادَ بالجهادِ الرِّفْعةُ والعُلُوُّ، وأنَّ تَرْكَهُ يُورِثُ ذِلَّةً وصَغَارًا؛ ففي "سُنَنِ أبي داودَ"؛ مِن حديثِ عَطَاءٍ الخُرَاسَانِيِّ، عن نافِعٍ، عن ابنِ عُمَرَ؛ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ


(١) أخرجه البخاري (٤٥١٣) (٦/ ٢٦).
(٢) أخرجه البخاري (٤٥١٤) (٦/ ٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>