للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولهذا ذَكَرَ اللهُ الأمرَينِ في قوله: ﴿فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ﴾، ولم يَذكُرِ الهزيمةَ مع احتمالِها؛ لأن المؤمنَ الصادقَ يَثِقُ بموعودِ الله، وهو النصرُ، والهزيمةُ ولو كانت محتملةً، فذِكْرُها واستحضارُها يُورِثُ الخوف وسُوءَ الظن باللهِ.

فضلُ جهادِ الدفعِ وحَدهُ:

وأما جهادُ الدفعِ، فيدفع العدوُّ عن العِرضِ والنفسِ والمالِ ولو مع احتمالِ عدمِ النصر، ولكنه لا يحرُم بحالٍ ولو كان الدفع عن دِينارٍ واحدٍ؛ لحديث أبي هريرةَ ؛ قال: "جاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسولِ الله ، فَقَالَ: يا رَسولَ الله، أرَأَيتَ إِن جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخذَ مَالِي؟ قَالَ: (فَلَا تُعطِهِ مَالَكَ)، قَالَ: أرَأَيتَ إن قَاتَلَنِي؟ قَالَ: (قَاتلْهُ)، قَالَ: أَرَأَيتَ إِنْ قَتَلَني؟ قالَ: (فَأنتَ شَهِيدٌ)، قالَ: أرَأَيت إِن قتلتهُ؟ قَال: (هُوَ فِي النَّارِ) (١).

ولحديثِ قابوسِ بنِ أبي مُخارِقٍ، عن أبيهِ؛ عندَ أحمدَ والنسَائيِّ؛ بمعناه (٢).

ولحديثِ عبدِ اللهِ بن عمرٍو في "الصحيحَين" مرفوعًا: (مَن قُتلَ دُونَ مَالِه، فَهُوَ شهيدٌ) (٣).

ولا يحرُمُ جهادُ الدفعِ بحالٍ ولو تيقَّنَ الإنسانُ عدمَ النصر؛ وإنما الخلافُ في وجوبهِ واستحبابِهِ وجوازِهِ على صاحِبِهِ بمقدارِ تحقُّقِ ثمرةِ جهادِه، ونوعِ الحقِّ الذي يَدفَعُ عنه ومقدارِه؛ فمَن يَدْفَعُ عن دِرهَمٍ يختلِفُ عمَّن يدفعُ عن مالِهِ كلِّه؛ فمَن ترَكَ دِرهَمًا أو دراهمَ أو دنانيرَ ضَنًّا بنفسِهِ ألا تُقتَلَ بالدفعِ عنها، فلا يَأثَمُ، والأمرُ فاضلٌ ومفضولٌ، ولو دفعَ وقُتِلَ،


(١) سبق تخريجه.
(٢) سبق تخريجه.
(٣) سبق تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>