المعنى الأول: يعني لا تُعَطِّلُوا الإهداءَ إلى البيتِ ولا تقليدَ الهَدْيِ عندَ سَوْقِه؛ فذلك مِن شعائرِ اللهِ؛ وهذه الآيةُ دليلٌ على فضلِ سَوْقِ الهَدْيِ مِن خارجِ مكَّةَ إليها ماشِيةً وراكِبةً؛ فإنَّ هذا مِن شعائرِ اللهِ المقصودةِ في ذاتِها، ومِن هَجْرِ إحياءِ سَوْقِ الهَدْي وتقليدِهِ تربيةُ الهَدْيِ للحُجَّاجِ في مزارعِ مكةَ ومَحْمِيَّاتِها، فهذا وإن أَسقَطَ الواجبَ إلا أنه يضيِّعُ سَوْقَ الهَدْيِ وتقليدَه.
والقلائدُ تميِّزُ الهدايا مِن الأنعامِ عن غيرِها مِن الدوابِّ المركوبةِ والمحلوبةِ وحاملةِ المناع، ويُسَنُّ تقليدُ الهَدْيِ مِن المِيقَات، كما فعَلَ النبيُّ ﷺ في حَجَّةِ الوداع، وعُمرةِ الحُدَيبِيَةِ.
والمعنى الثاني: أن الجاهليِّينَ كانوا يُقلِّدونَ أنفُسهُم شعرَ الأنعامِ وصُوفَها، وربَّما وضَعُوا على أجسادِهِمْ مِن شجرِ الحَرَم، ثم خرَجُوا منه؛ ليؤمِّنُوا أنفُسَهُمْ مِن القتالِ وقُطَّاعِ الطريقِ؛ رُويَ هذا المعنى عن عطاءٍ ومجاهدٍ وقتادةَ ومقاتلِ بنِ حَيَّانَ ومطرِّفٍ (١)، واللهُ يَنهاهم عن هذا الفعلِ؛ لأنَّ فيه تبديلًا وتغبيرًا لحدودِ اللهِ؛ فالله قال في أولِ الآيةِ: ﴿لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ﴾، فنهاهُم الله عن تغييرِ حُكْمِ اللهِ وتحليلِهِ بتبديلِه وإضاعةِ حُكمِهِ عمَّا حَدَّهُ اللهُ.