للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُرضِيَهُ؛ لأنَّه يَخشى أن يقَعَ في التفريطِ أن تسقُطَ شرائعُ اللَّهِ وهو يَرَاها، فيقَعُ في مخالَفةِ أمرِ اللَّهِ في تثبيتِها، وقد كان في سَعَةٍ لو عرَفَ مراحلَ التمكينِ في إقامةِ دِينِ اللَّهِ التي بيَّنها اللَّهُ لنبيِّه، ولو مات العبدُ وهو يسيرُ إلى التمكينِ لآتاهُ أجرَ النهايةِ ولو كان في البدايةِ؛ كما قال تعالى: {وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (١٠٠)} [النساء: ١٠٠]؛ فاللَّهُ احتسَبَ الأجرَ لِمَنْ خرَجَ مِن بيتِهِ قاصدًا الهجرةَ ولو كان على عَتَبةِ بابِه، ما لم يُقِمْ في دارِهِ راكنًا إلى دُنياه.

مَرَاتِبُ التمكينِ وشروطُهُ:

وللتمكينِ مراتبُ ودرجاتٌ يجبُ على المُصلِحينَ إبصارُها؛ حتى يَعرِفوا مقدارَ ثباتِ ما يُقِيمُونَ عليه دِينَ اللَّهِ؛ فليستِ الدُّوَلُ ولا الأممُ على مرتبةٍ واحدةٍ في التمكينِ، وقد قال تعالى في ذلك: {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ} [الأنعام: ٦]، وكلَّما زادتُ أسبابُ القوةِ وقَبُولِ الناسِ، زادتْ أسبابُ التمكينِ، فقد يكونُ للإنسانِ بَسْطَةٌ في مالِهِ وسُلْطانِهِ، وليس له بسطةٌ على الناسِ، فالمالُ وحدَهُ ليس تمكينًا ما لم يكنْ معه رجالٌ يُمكِّنونَ له؛ ولهذا لمَّا أراد ذو القَرْنَيْنِ بناءَ سَدِّ يأجوجَ ومأجوجَ، عَلِمَ أنَّه بحاجةٍ إلى تمكينَيْنِ: تمكينِ مالٍ، وتمكينِ رجالٍ، ولمَّا قيل له: {إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (٩٤)} [الكهف: ٩٤]، عرَضُوا عليه المالَ، وهو (الخَرَاجُ)، ردَّ عليهم: {قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا} [الكهف: ٩٥]، فكان لدَيْهِ تمكينُ مالٍ، ومع الناسِ تمكينُ رِجالٍ، فاجتمَعَ التمكينانِ على القيامِ ببناءِ الرَّدْمِ بينَ الناسِ وبينَ يأجوجَ ومأجوجَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>