وزكاةُ عروضِ التجارةِ تكونُ كلَّ عامٍ؛ وهذا الذي عليه عامَّةُ السلف، وصحَّ هذا عن ابنِ عُمَرَ وغيرِه، سواءٌ أَرَبحَ في تجارتِه أم لم يَربَحْ؛ وبهذا قال جمهورُ العلماء، وقد ذهَبَ مالكٌ في روايةٍ: إلى أنه إنْ حالَ الحَوْلُ على تجارتِه، ولم يَنِضَّ عليه منها شيءٌ، فليس عليه زكاةٌ، وبهذا قال ابنُ القاسم، وقد جعَلُوا حُكْمَ السِّلْعةِ البائرةِ والخاسرةِ كحُكْمِ السلعةِ المُحتكَرةِ؛ لَا تجبُ عليه الزكاةُ حتى يببعَ ويَنِضَّ له مِن النقدِ ما يبلُغُ النِّصَابَ.
ونَضُّ المالِ يَعْنُونَ به أنه صار عَيْنًا بعدَ أنْ كان متاعًا، ويُرادُ مِن ذلك أنه علامةٌ على أنَّ السِّلْعةَ ليسَتْ بائرةً، والبائرةُ في حُكمِ المُحتكَرةِ حتى تتحرَّكَ وتتحوَّلَ مِن عَرْضٍ إلى عَيْنٍ؛ كدِرْهَمٍ ودينارٍ.
ولمالكٍ قولٌ يُوافِقُ جمهورَ الفقهاءِ في عدمِ اشتراطِ البَيْعِ والرِّبْحِ في عروضِ التجارةِ إذا كان باختيارِ مالكِها؛ وهو الأصحُّ في القياس، والموافقُ للأثرِ والتعليل، وقد روى نافعٌ، عن ابنِ عمرَ، أنه كان يقولُ:"في كلِّ مالٍ يُدارُ في عَبِيدٍ أو دَوَابَّ أو طعامِ الزكاةُ كلَّ عامٍ"(١).
وأمَّا عروضُ التجارةِ المجمَّدةُ التي لا يستطيعُ مالكها التصرُّفَ فيها؛ لضياعِ وثائقِها أو وَضْعِ سُلْطانٍ يدَهُ عليها، فليس فيها زكاةٌ، حتَّى يَملِكَ التصرُّفَ فيها؛ فتلك ليستْ مِن المالِ المُدار، ولا تَجْرِي على قولِ مَن أخرَجَ المُحتكَرَ مِن المُدارِ.
ومَن بارَتْ سلعتُهُ أو نزَلَتْ قيمتُها، فزكاتُها بقيمتِها التي لو عرَضَها لوجَدَ مَن يَشترِيها، ولو كان ذلك في رُبُعِ قيمتِها؛ لأنَّ زكاةَ العروضِ
(١) أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (٧١٠٣)، وابن زنجويه في "الأموال" (١٦٩٠).