ولم يَحمِلْ قومَ لوطِ على ذلك عقلُ إنسانٍ، ولا شهوةُ حيوانٍ، فكان ذلك شَهوةً عن هوًى ومُكابَرةٍ؛ ولذا قال تعالى: ﴿بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ﴾.
ذكَرَ الشهوةَ؛ إشارةً إلى أنه لا وجودَ لعقلٍ فيما ذهَبُوا إليه، فليس المَنزَعُ عن شبهٍ فيها عِلمٌ؛ ولذا قال تعالى عنهم في سورةِ النملِ: ﴿بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ﴾ [٥٥]، فهم مُعتدُونَ على العقلِ والدِّينِ كلِّه، ولذا قال عنهم كما في سُورةِ الشعراءِ: ﴿بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ﴾ [١٦٦].
فقومُ لوطٍ ألغَوُا الحقلَ وتجاوَزُوا حد الشهوةِ وجِهَتَها؛ وسَرَفُهُمْ هو تعدِّيهِم على الفِطْرةِ والشِّرْعة، ففِعلُهم غايةُ الجهلِ والمُعانَدةِ الذي لا يمكنُ أن يكونَ معه شُبهةٌ مِن عِلم أو فِطْرة، فهو محضُ جهلٍ اتبعوهُ عن مُكابَرةٍ وعنادٍ.
تدرُّجُ قومِ لوطٍ بالفاحشةِ:
ويدُل النظرُ الصحيحُ البيِّنُ إشارةُ القرآنِ: أنَّ الفاحشةَ بدَأَت في قومِ لوطٍ بالزِّنى، حتى إنَّ الفِطرَ الصحيحةَ لا تَبدأُ بأدبارِ الزوجاتِ حتى يشيعَ فيها الرغبةُ في غيرِ الزوجاتِ كما يَفعَلونَ بالزوجات، ثم يَرجِعونَ إلى أدبارِ زوجاتِهم، ثم أدبارِ الزانيات، فلما استَمرَؤُوا على ذلك، تشوَّفُوا إلى الرِّجالِ.
وهذه خطواتُ إبليسَ في كلِّ بابٍ مِن المحرَّمات، فالشيطانُ تَستعصِي عليه فِطرةُ الإنسانِ أن يُخرِجَها مِن وَطءِ الزوحاتِ بالمشروعِ إلى إتيانِ الذُّكُورِ مباشَرةً، وقد قال جامعُ بن شدَّادٍ:"كانتِ اللُّوطَّيةُ في قومِ لوطٍ في النِّساءِ قبلَ أن تكونَ في الرجالِ بأربعينَ سنةً"(١)، وقال مجاهدٌ: