للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد جاءَ في السُّنَّةِ ما يُبيِّنُ هذا المعنى؛ كما في "المسنَدِ" و"سننِ أبي داودَ"؛ من حديثِ رجلٍ من الصحابةِ؛ قال : (المُسْلِمُونَ شرَكاءُ فِي ثَلَاثٍ: المَاء، وَالْكَلَأ، وَالنَّارِ) (١).

ومِن هذا ما في "الصحيحينِ"؛ مِن حديثِ أبي هريرةَ؛ أنَّ رسولَ اللهِ قال: (لَا يُمْنَعُ فَضْلُ المَاءِ لِيُمْنَعَ بِهِ الْكَلَأُ) (٢).

منافعُ الأرضِ حَقٌّ مشاعٌ:

ولا يجوزُ لأحدٍ أنْ يَمْنَعَ الناسَ مِن الانتفاعِ مِن الأرضِ؛ مِن ترابِ وماءٍ وكَلَأٍ، ما لم يكنْ له مِلْكًا يَمْلِكُهُ وله فيه مَؤُونةٌ، وكان مالكُ بن أنسٍ ذهَبَ إلى أنَّ ذلك في كلأِ الفَلَواتِ والصَّحَاري، وما لا تُملَكُ رَقَبةُ الأرضِ فيه، وجعَلَ الرجُلَ أحَقَّ بكلِأ أرضِه؛ إنْ أحَبَّ المنعَ منه، فإنَّ ذلك له (٣).

وإنَّما جاء تخصيصُ الماءِ بالنَّهْي عن بيعِ فَضْلِه، وتكاثَرَتِ الأحاديثُ في ذلك؛ لأنَّ المِنَّةَ فيه أظهَرُ، وَالحاجةَ إليه أشَدُّ، وقد يَصبِرُ الناسُ عن الحاجةِ إلى المَلْبسِ والمَسْكَنِ ولا يَمُوتونَ، ولكنْ لا يَحْيَوْنَ إلَّا بالماء، وفاقدُ الماءِ يموتُ قبلَ فاقدِ الطعام، فيَصبِرُ على الجوعِ أطوَلَ مِن صبرِهِ على العطشِ.

ونصَّ أبو حنيفةَ ومحمدُ بن الحسنِ: على أنَّ فضلَ الماءِ مِن الآبارِ يُسقى للنفوسِ لا للزُّروعِ والنخلِ؛ فيجبُ بَذْلُهُ لِشُرْبِ الناسِ ودوابِّهم إبلًا وغنمًا وغيرَها.


(١) أخرجه أحمد (٥/ ٣٦٤)، وأبو داود (٣٤٧٧).
(٢) أخرجه البخاري (٢٣٥٣)، ومسلم (١٥٦٦).
(٣) ينظر: "التمهيد" (١٩/ ١).

<<  <  ج: ص:  >  >>