منه، والصحيحُ الثابتُ: مسحُ الرأسِ مرَّة واحدة، ولا يصح العددُ بالمسح، وصِفة المسحِ ما جاء في "الصحيحَيْنِ" عنه ﷺ؛ أنه "بَدَأ بِمُقَدَّمِ رَأسِهِ حتى ذَهب بِهِمَا إِلَى قَفَاهُ، ثُم رَدهُمَا إِلَى المَكَانِ الذِي بدَأَ مِنْهُ"(١).
وما يكونُ يُستوعب به أكثرُ الرأسِ فهو مسح؛ لأن الشارعَ خفَّفَ في الرأس، فجعلَه ممسوحا لا مغسولا، والممسوح يُقطَعُ معه عدم اشتراطِ الإنقاء ولا الاستيعابِ كالغسلِ؛ لأن استيعابَ جميعِ أجزائِهِ مُحَال، وهذا الحكم مُطرِد في كل أحكامِ الرأس، ومنها الحلق في قولِهِ تعالى: ﴿مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ﴾ [الفتح: ٢٧]، ولا يدخلُ فيه النهيُ في قولِهِ تعالى: ﴿وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ﴾ [البقرة: ١٩٦]؛ لأن النهيَ يقعُ على أدنى الفِعلِ وأوَّله؛ كالنهيِ عن شربِ الخمرِ ما أسكَرَ كثيرُهُ فقليلُهُ حرام، والأمر يقع على المجزِئِ منه.
استيعاب مسحِ الرأسِ:
وقد ذهب مالكٌ وأحمدُ: إلى مسحِه جميعِهِ.
وذهب الحنفية: إلى الاكتِفاءِ بربعِ الرأسِ؛ لإسقاطِ فرضِ المسحِ.
وسبب الخلافِ في ذلك: هو حد المرادِ مِن الرأسِ في مُرادِ الشرعِ.
ومَن نظَرَ إلى استحالةِ استيعابِ أجزاءِ الرأسِ جميعًا، ومشقةِ الاقتصارِ على الربعِ؛ لأنه يصح في القَفَا أو في أحدِ الجهتَينِ مما فوقَ الأذنِ وحدَهُ، وهذا فيه تعطيل للمرادِ والمقصودِ مِن المسحِ: قال بمسحِ أكثرِه، ولذا كان النبي ﷺ يستعمل يدَيهِ جميعا لمسحِ الرأس، وهذا يعني الأغلب، والسنة تفسرُ القرآنَ وتبينه؛ ولذا قُلْنا بوجوبِ التغليب في