للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النهيِ عن الاستغفارِ أَقْوَى وأكثَرُ مِن النهيِ عن بذلِ السلام، وإحكامُ الشريعةِ يَقتضي عدمَ التشديدِ؛ ولذا قال الأَوْزَاعِيُّ: "إنْ سَلَّمْتَ، فقد سَلَّمَ الصالحون، وإنْ تركْتَ، فقد ترَكَ الصالحون" (١).

وظاهرُ النهيِ: أنَّه على الكراهة، لأنَّ التحيَّةَ مِن الآدابِ في العُرْفِ، وقد جاء تأييدُها وتأكيدُها في الشرعِ.

ومَن مَرَّ على مَجْلِسٍ فيه أخلاطٌ مِن المُسلِمِينَ والكافِرِينَ، سَلَّمَ عليهم؛ كما ثبَتَ ذلك عن النبيِّ في "الصحيحِ"؛ مِن حديثِ أسامةَ بنِ زيدٍ (٢).

ردُّ السلامِ على الكافرِ:

ومَن سُلِّمَ عليه مِن كافرٍ، وفَهِمَ لَفْظَهُ أنَّه أراد السلامَ الشرعيَّ، جاز له الردُّ عليه بقولِه: "وعليكم السلامُ"، مِن غيرِ زيادةِ الرحمةِ والبَرَكةِ؛ لأنَّ الرحمةَ والبَرَكةَ لا تَنْزِلُ إلَّا على مؤمِنٍ وأمَّا السلامُ وهو الأمانُ، فيكونُ لغيرِ المؤمِنِ؛ ولذا فإنَّ النبيَّ لم يكنْ يَدْعُو لليهودِ بالرحمةِ لمَّا كانوا يَتعاطَسُونَ عندَهُ؛ بل كان يقولُ: (يَهْدِيكُمُ اللهُ، وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ) (٣)، وقد قال ابنُ عمرَ وعُقْبةُ بن عامرٍ: "إِنَّ وَبَرَكَاتِهِ عَلَى المُؤْمِنِينَ"، وقد كانا لا يُسلِّمانِ على غيرِ المُسْلِمِ تسليمًا تامًّا، ولمَّا قالا السلامَ مرةً تامًّا على نصرانيٍّ يَظُنَّانِهِ مُسلِمًا، رجَعَا وقالا ذلك (٤).

وأمَّا ما جاء فيِ "الصحيحَيْنِ"؛ مِن حديثِ أنسٍ؛ قال: قال رسولُ اللهِ : (إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أهْلُ الْكِتَاب، فَقُولُوا: وَعَلَيْكُمْ) (٥)،


(١) "شرح صحيح البخاري" لابن بطال (٩/ ٣٤)، و"تفسير القرطبي" (١٣/ ٤٦٠).
(٢) أخرجه البخاري (٦٢٥٤) (٨/ ٥٦).
(٣) أخرجه احمد (١٩٥٨٦) (٤/ ٤٠٠)، وأبو داود (٥٠٣٨) (٤/ ٣٠٨)، والترمذي (٢٧٣٩) (٥/ ٨٢).
(٤) أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (٩/ ٢٠٣).
(٥) أخرجه البخاري (٦٢٥٨) (٨/ ٥٧)، ومسلم (٢١٦٣) (٤/ ١٧٠٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>