للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعدَّهُ كثيرٌ مِن النَّقَلَةِ قولَينِ للصحابةِ أو للتابعينَ، وأكثرهم ما كانوا يَقصِدُونَ إلَّا الدلالةَ على العينِ بأحدِ أوصافِها، فهم إنْ قالوا: أولو الأمرِ هم العلماءُ، فلا يَعْنُونَ تعدُّدَ الوُلَاةِ لتعدُّدِ العلماءِ وكثرتِهم؛ ولكنْ لأنَّ الأصلَ أنَّ العلماءَ لا يختلِفونَ في أمرِ العامَّةِ ومصالِحِ الأمَّة، وإنِ اختلَفُوا في الاجتهاد، تطاوَعُوا في العمل، فلم يتنازَعُوا لأجلِ أنفُسِهم وأهوائِهم، سواءٌ كان العالِمُ معه قوةُ سُلطانٍ أو لم يكن معه قوةُ سُلطانٍ؛ لأنَّ سلطانَ العالِمِ أقوَى مِن سلطانِ الأمرِ؛ ولذا كان أكثرُ السلفِ يُفسِّرونَ أُولي الأمرِ بالعلماء؛ فقد صحَّ هذا عن ابنِ عبَّاسٍ؛ رواهُ عليُّ بنُ أبي طلحةَ، عنه (١).

وقال به عامَّةُ السلفِ؛ كأبي العاليةِ وعطاءٍ ومجاهدٍ والحسنِ والنخَعيِّ وبكرٍ المُزَنِيِّ وعِكْرِمةَ (٢).

والآية نزَلَت في طاعةِ أميرِ الجيش والجندِ، وهي الولايةُ الصُّغرى؛ فالولايةُ ولايتانِ، كما أنَّ البيعةَ بيعتان، بيعةٌ وولايةٌ صُغرى، وبيعةٌ وولايةٌ كبرى؛ فقد روى الشيخان، عن ابن عبَّاس؛ قال: "نَزَلَت فِي عَبدِ اللهِ بْنِ حُذَافةَ بنِ قَيس بنِ عَدِيٍّ؛ إِذ بَعَثَهُ النَّبيُّ فِي سَرِيَّةٍ" (٣).

الطاعةُ بالمعروفِ:

وتجبُ الطاعةُ بالمعروف في غيرِ معصيةِ اللهِ للأُمراءِ والحُكَّام، ولو لم يكُنِ المأمورُ به واجبًا، أو المنهيُّ عنه محرَّمًا، إنْ كان فيه مصلحةٌ للنَّاسِ: يجبُ بالأمر، ويُمنَعُ بالنهي، لا لِذَاتِه؛ وإنَّما لمآلِه، فلا يُحِلُّ ولا يُحرِّمُ الأشياءَ بِذَاتِهِ إلَّا اللهُ، ومَن جعَلَ هذا مِن خصائِصِ أحدٍ، فقد


(١) "تفسير الطبري" (٧/ ١٨٠)، و "تفسير ابن أبي حاتم" (٣/ ٩٨٩).
(٢) ينظر: "تفسير الطبري" (٧/ ١٧٩ - ١٨١)، و "تفسير ابن المنذر" (٢/ ٧٦٦)، و "تفسير ابن أبي حاتم" (٣/ ٩٨٩).
(٣) أخرجه البخاري (٤٥٨٤) (٦/ ٤٦)، ومسلم (١٨٣٤) (٣/ ١٤٦٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>