وقد يُقالُ: إنَّ الأصلَ في النكاحِ: الحِلُّ عندَ توافُرِ شروطِه وانتفاءِ موانعِه؛ فالمحرَّماتُ على التأبيدِ على الإنسانِ قليلةٌ، والمباحاتُ له على الدوامِ أكثرُ، ولكنَّ الشريعةَ ضبَطَتِ الإباحةَ وقيَّدتْها؛ ولذا قال اللهُ تعالى: ﴿فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ﴾ [النساء: ٣]، فأطلَقَ الحِلَّ ووصَفَهُ بالطيِّبِ، ثمَّ بَيَّنَ قيودَهُ.
وكما أنَّ اللهَ أباحَ للإنسانِ لحمَ الحيوانِ، وقيَّدَ إباحتَهُ بأنْ يكونَ ذُبِحَ للهِ لا لغيرِه، كذلك النكاحُ الأصلُ فيه الحِلُّ، ويُشترَطُ أن يكونَ على حُكْمِ اللهِ وشروطِهِ التي وضَعَ، وكذلك فيجوزُ له وَطْءُ الإماءِ بلا عددٍ وحصرٍ.
هذا وجهٌ لمَن قال:"إنَّ الأصلَ في الفُرُوجِ الإباحةُ".
والأشهرُ القولُ بالتحريمِ؛ لأنَّ ما خصَّصه الشارع له أقلُّ ممَّا منَعَهُ منه، فقيَّدَ له الجمْعَ بأربعةِ شروطٍ، ومنَعَه من الزيادةِ.
وذكَرَ جماعةٌ مِن الفقهاءِ مِن المالكيَّةِ والشافعيَّةِ وغيرِهم: أنَّ الأصلَ في الحَيَوانِ التحريمُ؛ قالوا: لأنَّه لا يَحِلُّ إلا بالذَّكَاةِ والصيدِ، ويَضبِطونَ القاعدةَ بقولِهم:"الأصلُ في الذبائحِ والصيدِ: التحريمُ"؛ وهذا صحيحٌ، ولكنَّ ذَبْحَهُ وصيدَهُ لا يُخرِجُهُ عن أصلِ إباحتِه.
والأصلُ المتقرِّرُ عندَ الشافعيِّ: حِلُّ الأشياءِ، إلا ما فُصِّلَ تحريمُهُ بدليلٍ.