للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمَّا قولُه في الخِطَابِ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}، فالمرادُ: مَن آمَنَ بمَنْ قبلَهُ مِن إخوانِهِ وآبائِهِ الأنبياءِ.

وقيلَ: أُرِيدَ بالذين آمَنُوا الذين أظهَرُوا الإيمانَ نفاقًا؛ وذلك لأنَّ الآيةَ جاءت بعدَ قولِهِ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [البقرة: ٢٠٤]، وهم مُنافِقونَ، وهو نوعُ تهكُّم بإيمانِهِمُ الظاهرِ الذي يكذِّبُونَ به باطنًا؛ كما في قولِهِ: {وَقَالُوا يَاأَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ} [الحجر: ٦]؛ وهذا تهكُّمٌ باطلٌ مِن المشرِكِينَ بنبيِّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -.

ثانيهما: السِّلْمُ بمعنى تركِ الحربِ والقتالِ؛ قال زُهَيْرُ بنُ أبي سُلْمَى:

وَقَدْ قُلْتُمَا إِنْ نُدْرِكِ السِّلْمَ وَاسِعًا ... بِمَالٍ وَمَعْرُوفٍ مِنَ الأَمْرِ نَسْلَمِ

الفرقُ بين السَّلْمِ والسِّلْمِ:

وفرَّقَ بعضُهم بينَ السَّلْمِ بفتحِ السينِ، والسِّلْمِ بكسرِها؛ وهو قولُ أبي عمرِو بنِ العلاءِ؛ فجعَلَ السِّلْمَ بكسرِ السينِ: الإسلامَ، والسَّلْمَ بالفتح: المسالَمةَ؛ ولذلك قرَأَ الآيةَ في هذا الموضعِ بكسرِ السينِ: {ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ} فقطْ، وقرَأ التي في سورةِ الأنفالِ، والتي في سورةِ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -: بفتحِ السينِ، وفَتحُ السينِ عندَهُ مِن السلامةِ، وهي تركُ الحربِ.

والمعنيانِ في الإسلامِ صحيحانِ، ولكنْ في هذه الآيةِ: فالأولُ هو الصحيحُ؛ وذلك أنَّ اللهَ لم يأمُرِ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - في موضعٍ بالدخولِ في المسالَمَةِ مع كلِّ أحدٍ بإطلاقٍ؛ لأنَّ الأمرَ بالمسالَمَةِ بإطلاقٍ بلا تفريقٍ بينَ قوةٍ وضعفٍ، ومصلحةٍ ومفسدةٍ: يقتضي المحافظةَ على نِدِّيَّةِ الكفرِ للإسلامِ، وتساوِي الهيمنةِ بينَهما، وهذا يُخالِفُ الأصولَ والمقصدَ مِن دعوةِ التوحيدِ وأحكامِ الدِّينِ وحدودِه وفريضةِ الجهادِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>