للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العملُ الصالحُ بعد التوبةِ:

وذكَرَ الله الإصلاحَ بعدَ التوبةِ: ﴿فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ﴾؛ لأنَّ تركَ الذنبِ المجرَّدَ لا يعني التوبةَ منه، فقد يترُكُ السارقُ السرِقةَ لغِنَاهُ، ويترُكُ الزاني الزِّنى لعَجْزِهِ وكِبَرِه، ويترُكُ الفاسقُ شربَ الخمرِ لمرضِهِ أو عجزِهِ عن قيمتِه؛ فهذا التركُ لا يكفِّرُ الذنبَ، وعلامةُ التوبةِ الصادقةِ: تركُ المعصيةِ وفعلُ الطاعة، ومِن علامةِ قَبُولِها: الإتيانُ بالحَسَنةِ بعدَ السيِّئةِ؛ قال تعالى: ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾ [هود: ١١٤]، وقال : (وَأَتْبعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا) (١).

* * *

قال تعالى: ﴿سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٤٢)[المائدة: ٤٢].

في الآيةِ: وصفٌ لليهودِ، وبيانٌ لسببِ ضلالِهم في تحريفِ كلامِ اللهِ وتبديلِ شَرْعِه، وهو ميلُهم إلى الدُّنيا، والأكلُ بدِينِ اللهِ ثمنًا قليلًا، وفي الآيةِ: تحريمُ المالِ الذي يأخُذُهُ العالِمُ على فُتيا الباطلِ وقولِه، أو سكوتِهِ عن الحقِّ؛ فإنَّ قوله تعالى: ﴿أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ﴾؛ يعني: أنَّهم سَكَتُوا عن الحقِّ وأكَلُوا بسكوتِهم مالًا، فسمَّاهُ الله سُحْتًا، وتقدَّمَ في البقرةِ عندَ قولِهِ تعالى: ﴿وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ﴾ [البقرة: ١٨٨]: أنَّ المالَ الذي يأخُذُهُ الحاكمُ والعالِمُ لقولِ الباطلِ أو السكوتِ عنه أنه أشَدُّ من الرِّبا.


(١) أخرجه أحمد (٢١٣٥٤) (٥/ ١٥٣)، والترمذي (١٩٨٧) (٤/ ٣٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>