للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد كانت قريشٌ تُريدُ صَدَّ النبيِّ عن قراءةِ القرآنِ؛ حتى لا يَفتِنَهم ولا يَفتِنَ قَوْمَهم، فيُصفِّقونَ ويُصفِّرونَ ويَتمازَحُونَ باللَّغْوِ ورفعِ الصوتِ به؛ كما قال تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ﴾ [فصلت: ٢٦] فهم يُريدون الغَلَبَةَ لآلهتِهم، والهزيمةَ لمحمد ورسالته.

وقد ذكَرَ غيرُ واحدٍ أنَّ قريشًا كانتْ تتعبَّدُ بالمُكَاءِ والتَّصْدِيَةِ في الحاهليَّة، فيَقِفُ الواحدُ منهم على الصَّفَا فيَمْكُو ليسمَعَ صَدَى صوتِهِ في جبالِ مَكَّةَ.

وقد بيَّنَ اللهُ أنَّ غايةَ تعبُّدِهم للهِ هو هذا اللَّعِبُ واللَّهْوُ الذي بدَّلُوهُ عن الحنيفيَّة، ومنَعَهُمْ مِنَ الاستسلامِ لله، والانقيادِ والاتِّباعِ لنبيِّه .

حُكمُ التصفيرِ والتصفيقِ:

وأمَّا حُكمُ التصفيرِ والتصفيق، فعلى حالَيْنِ:

الأُولى: إذا أُرِيدَ به التعبُّدُ والتديُّنُ، فذلك محرَّمٌ، وليسا هما عبادةً في ذاتِهما في الإسلام، ولا يجوزُ التديُّنُ بهما بالاتِّفاق، إلَّا في حالةٍ واحدةٍ للمرأة، وهي عندَ إرادةِ فَتْحِها على الإمامِ عندَ سَهْوِهِ وغَلَطِهِ في الصلاة، ولم يُوجَدْ رجالٌ يَفتَحُونَ، فيستحَبُّ لها التصفيقُ؛ كما قال : (التَّسْبِيح لِلرِّجَال، وَالتَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ)؛ وهو في الصحيح، مِن حديثِ أبي هريرةَ (١) وسَهْلٍ (٢).

الثانيةُ: إذا لم يُرَدْ به التعبُّدُ والتديُّنُ؛ وإنَّما يُفعَلُ في العاداتِ والمناسبات، فمنه ما يجوزُ: كتصفيرِ صاحِبِ البهائمِ لبهائمِه، فمنها ما


(١) أخرجه البخاري (١٢٠٣)، ومسلم (٤٢٢).
(٢) أخرجه البخاري (١٢٠٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>