للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعدِهم، واليومَ وبعدَ انقطاعِ الوحيِ أصبحَ رفعُ الجهلِ. بالسؤالِ مؤكَّدًا.

والسؤالُ هنا عَنِ الخمرِ والمَيْسِرِ، ويَحتمِلُ أنَّ السؤالَ عنهُما جميعًا مرَّةً واحدةً، ويَحْتَمِلُ تفرُّقَ السؤالِ عنهما، واجتماعَ الجوابِ؛ للمصلحةِ في ذلك.

اقترانُ الخمرِ بالميسِرِ:

وذلك أنَّ الخمرَ والمَيْسِرَ مِن الأمورِ التي تَمَسُّ حياتَهُما كلَّ يومٍ غالبًا، وربَّما كانا متلازِمَيْنِ؛ فمَن شَرِبَ الخمرَ، فهو مِن أهلِ المَيْسِرِ، ومَن تعامَلَ بالمَيْسِرِ، فهو مِن أهلِ الخمرِ، واجتماعُ بيانِ الحُكمَيْنِ الشرعيَّيْنِ المتلازِمَيْنِ وقوعًا ولو غالبًا: واجبٌ؛ ولذا تلازَمَ الكلامُ عنهما هنا، وتَلازَمَ في الآيةِ الأُخرى المبيِّنةِ لقَطْعِيَّةِ التحريمِ: ﴿إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [المائدة: ٩٠].

والتلازُمُ بينهما ظاهرٌ وباطنٌ؛ فالظاهرُ مِن جهةِ العَمَلِ؛ فمَن بُلِيَ بالخمرِ يُبلَى بالقمارِ غالبًا، وفي الباطنِ فكِلَاهُما مِن المُوبِقاتِ الموجِبةِ للفِسْقِ وضَعْفِ الإيمانِ ضعفًا شديدًا؛ فمَن ترَكَ الميسِرَ ظاهرًا، وهو يشرَبُ الخمرَ، فهو يترُكُ المَيسِرَ بلا تسليمٍ باطنٍ غالبًا، بل مع حبٍّ وشهوةٍ له، وكذلك مَن تعامَلَ بالميسِرِ، وترَكَ الخمرَ ظاهرًا، فهو يترُكُهُ بلا تسليمٍ باطنٍ غالبًا، بل مع حبٍّ وشهوةٍ له؛ فجاءتِ الشريعةُ بإصلاحِ الظاهرِ والباطنِ جميعًا؛ بالنهيِ عنِ العمَلَيْنِ المتلازِمَيْنِ.

وقد أنزَلَ اللهُ في تلازُمِ الإثمَيْنِ الخَمْرِ والمَيْسِرِ قولَهُ تعالى: ﴿لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا﴾ [المائدة: ٩٣].

روى ابنُ جريرٍ، عن عليِّ بنِ أبي طَلْحَةَ، عنِ ابنِ عبَّاسٍ، قالوا: يا رسولَ اللهِ، ما نَقولُ لإخوانِنا الذين مَضَوْا؟ كانوا يَشْرَبونَ الخمرَ، ويأكُلُونَ المَيسِرَ؟ ! فأنزَلَ اللهُ: ﴿لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>