للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهم مَن غفَرَ لهم اللهُ كلَّ ذنبٍ، ما تقدَّم وما تأخَّر؛ كالنبيِّ : ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ﴾ [الفتح: ٢].

ويَلحَقُ بهذه الحالةِ الشهيدُ الذي لا حقوقَ للآدَميِّينَ عليه، ويدخُلُ أيضًا في هذا السبعونَ ألفًا الذينَ لا حِسابَ عليهم ولا عذابَ.

والحَسَناتُ تُذهِبُ السيِّئاتِ بلا خلافٍ، والسيِّئاتُ تُذهِبُ الحَسَناتِ عَلَى الأرجَحِ، والإذهابُ يكونُ بمقدارِ السيِّئةِ وعِظَمِها ومقدارِ الحَسَنةِ؛ فلا يُذهِبُ اللهُ حَسَنةً عظيمةً بسيِّئةٍ مِنَ المحقَّراتِ أوِ الصغائرِ، وقد تتكاثَرُ المحقَّراتُ حتَّى تعاظَمَ فتثقُلَ فتُذهِبَ الحَسَنةَ العظيمةَ.

* * *

قال تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ﴾ [البقرة: ٢١٩].

وهذا مِن أسئلةِ الصحابةِ للنبيِّ ، وهي نحوُ ثلاثةَ عشَرَ سؤالًا، وهذا المذكورُ في القرآنِ، والأسئلةُ كثيرةٌ، والسُّنَّةُ مليئةٌ بذلِك.

وأخرَجَ الدارِمِيُّ، وأبو يَعْلَى، عن سعيدِ بنِ جُبَيْرٍ، عن ابنِ عبَّاسٍ؛ قال: "ما رأيتُ قومًا كانوا خيرًا مِن أصحابِ رسولِ اللهِ ؛ ما سَأَلُوهُ إلَّا عن ثلاثَ عَشْرةَ مسألةً حتَّى قُبِضَ؛ كُلُّهُنَّ في القرآنِ" (١).

وكان النبيُّ يَنْهَى عن كثرةِ السؤالِ؛ خشيةَ أن يَنزِلَ تحريمٌ، فيَشُقَّ ذلك على الناسِ؛ ولذا كانوا يُحِبُّون أنْ يأتِيَ الرجلُ مِن الأعرابِ أو مِن الغُرَباءِ، فيسألوا النبيَّ عن شيءٍ مِن الدِّينِ فيستفيدوا، ويأمَنوا مِن الحرَجِ الذي لا يُرِيدُهُ النبيُّ عليهم؛ رحمةً بهم وشَفَقةً بالمؤمنينَ مِن


(١) أخرجه الدارمي في "سننه" (١٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>