للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال تعالى: ﴿وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (٨٠) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (٨١) وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (٨٢) فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (٨٣) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ﴾ [الأعراف: ٨٠ - ٨٤].

سمَّى اللهُ إتيانَ الذُّكْرَانِ فاحشةً؛ تبشيعًا له، وفي قولِه: ﴿مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ﴾ تأكيدٌ لبشاعتِهِ ومخالَفتِهِ للفِطْرةِ القويمةِ مع تكاثُرِ الناسِ وتعاهدِهم، وفي هذا دليل على حُجَّةِ الفِطْرةِ في الحُكمِ على الأفعالِ؛ كاسَتخباثِ الشيءِ واستطابتِه، ولو لم تكنِ الفطرةُ حُجَّةً، ما كان في ذِكْرِ إحداثِهم لهذا الفعلِ على مَنْ سبَقَهم معنًى، إلَّا لأنَّ الفِطَرَ لم تَتواطَأ على تركِهِ إلَّا لبشاعتِه، والزِّنى سابقٌ لِلِّوَاطِ؛ لأنَّ مَيلَ الذكَرِ للأُنثى فِطْريٌّ، ولكنَّه لمَّا كان بغيرِ مُعاقَدةٍ مشروعةٍ، صار محرَّمًا، لا لأصل الوقوعِ؛ وإنَّما لعدمِ توافُرِ شروطِ حِلِّه، وأمَّا فاحشةُ قومِ لُوطٍ، فلا تَحِلُّ أصلًا؛ لا بشروطٍ ولا بغيرِ شروطٍ.

تنازُعُ الغريزةِ والعقلِ:

وقولُه تعالى: ﴿إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ﴾ دليلٌ على أنَّ ما دفَعَهُمْ إلى ذلك إنَّما هو الغريزةُ لا العقلُ، والشهوةُ غريزةٌ يَشترِكُ فيها الإنسانُ مع الحيوان، والحيوانُ لا يفعلُ ذلك فيأتيَ الذَّكَرُ الذَّكَرَ، وقيل: إنَّه في أرذلِ البهائمِ؛ رُوِيَ عن ابنِ سِيرِينَ؛ قال: "ليس شيءٌ مِن الدوابِّ يعملُ عمَلَ قومِ لوطٍ إلَّا الخِنزيرُ والحمارُ" (١)، وفيه نظرٌ.


(١) أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" (٥٠١٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>