ونقَلَ ابنُ المنذِرِ إجماعَ العُلَماءِ على زَكَاةِ عُرُوضِ التِّجَارةِ (١)؛ خِلافًا للظَّاهِرِيَّةِ الذبن يَجعَلونَ النصوصَ إنَّما هي فيما خَصَّهُ الدليلُ، ولا يأخُذونَ بإطلاقاتِ الآيات، وربَّما احتَرَزوا مِن القولِ بالإطلاقِ؛ خوفًا مِن وجوبِ الزكاةِ في المتاعِ والدُّورِ والمراكبِ وطَعَامِ البيتِ؛ لكَوْنِها مِن الأرزاقِ والأموال، ولكنَّ هذا النَّوْعَ مِن الأموالِ لم يَقُلْ أحدٌ بوجوبِ الزكاةِ فيه، ولا ذكَرَ ذلك الصحابةُ ولا مَن بَعْدَهم، إلَّا ما يتعلَّقُ بحُلِيِّ المرأة، ومَن أوْجَبَ الزكَاةَ فيه لا يَجعَلُهُ مَتَاعًا، بل نَقْدًا.
ويُروى عنِ ابنِ عَبَّاسِ القولُ بعدَمِ زَكَاةِ عُرُوضِ التِّجارة، ولا يَصِحُّ عنه، بل هو مُنكَرٌ، وسائرُ أصحابِهِ على خلافِ ذلك، ولو ثبَتَ عنه ذلك، لأُسنِدَ، ولَعَمِلَ به الواحدُ مِنَ أصحابِه.
والنَّظَرُ دالٌّ على وجوبِ إخراجِ زكاةِ عُرُوضِ التِّجارةِ؛ فإنَّ أثمَنَ أموالِ الناسِ وأَغْلاها: ما يُتاجِرونَ به، فأكثَرُ التُّجَّارِ والأغَنياءِ يَملِكونَ عُرُوضَ التِّجارةِ أكثَرَ مِن النَّقْدَيْن، وتركُ زكاةِ ذلك مخالَفةٌ لِمَقصَدِ الشريعةِ في زكاةِ الأموال، وهضمٌ لحقِّ الفُقَراء، وبَخْسٌ لهم، ولو تُرِكَ القولُ بزكاةِ عروضِ التِّجارة، لكان بابًا للخروجِ مِن فرضِ الزكاةِ؛ يدخُلُ منه كلُّ طامعٍ أو صاحبِ هوًى، والنَّفْسُ شحيحةٌ بمالِها.
عُرُوضُ التِّجَارةِ التي يُنتفَعُ بها مَعَ عَرْضِها:
وأمَّا المالُ الذي يَعرِضُه صاحبُهُ للتِّجارةِ وهو يَنتفِعُ به؛ كالبيتِ الذي يَسكُنُهُ يَعرِضُهُ للبَيْعِ وهو فيه، وكالمَرْكَبةِ التي تَقضي حاجتَهُ يَعرِضُها وهو يَنتفِعُ بها؛ فهذا محلُّ خِلافٍ عندَ الفقهاءِ في وجوبِ زَكاتِه، والأظهَرُ أنَّ ذلك على حالَتَيْنِ:
(١) "الإجماع" لابن المنذر (ص ٤٨)، و"الإشراف على مذاهب العلماء" له (٣/ ٨١).