للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويكونَ القِصاصُ بعدَ اندِمالِ جِرَاحةِ المجنيِّ عليه؛ حتى يُؤمَنَ مِن انتشارِها إلى غيرِ المحل، ويؤمَنَ على حياتِه؛ فقد يموتُ من جراحتِهِ قبلَ اندمالِها، وفي "المسنَدِ" أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال لِمَنِ استعجَلَ القِصاصَ: (لَا تعجَل حَتى يبرَأ جُرحُكَ) (١).

ومَن مات مِن القِصاص، فلا دِيَةَ على المُقتَص فيه عندَ جمهورِ العلماءِ خلافًا لأبي حنيفةَ.

التكفيرُ بالحدود، والأجرُ بالعفوِ:

وقوله تعالى: {فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ}؛ يعني: مَن تصدقَ بحقه في القِصاص، فهو كفارة للجاني، وفِيه أجر للمجني عليه، فسماهُ اللهُ صَدَقةَ؛ وفي هذا دليل على أن الحدودَ كفَّارة لأصحابِها؛ فقد جعَلَ اللهُ مجردَ إسقاطِ صاحب الحقّ حقه في القصاص كفارةَ للجاني، وظاهرة: أن مَن لم يُسقِط عن الجاني حقه، فلا يكفرُ عنه إلا بإقامةِ الحد، وقد قال ابن عباس: "كفارة للجارح، وأجرُ الذي أصِيبَ على اللهِ" (٢).

ومَن عُفِيَ عنه، سقَطَ إثمُ الفِعلِ عنه، وإنْ لم يتب منه، فيأثمُ على مِقدارِ ما بَقِيَ مِن عملِ قلبِه؛ كحُبِّ الجنايةِ والفرحِ بها؛ فعملُ القلبِ باق، وعمل الجوارحِ مغفور بالعفْوِ.

وفي الآيةِ: حث على العَفوِ عمن ظهَرَ ندمُه، وزالَ دافعُ بَغيِه، وظهَرَ انتفاعُهُ وانتفاعُ غيرِهِ بالعفوِ عنه، وأمَّا مَن لم يظهَر ندمُهُ وكان مُعانِدًا لم يَظهَر صلاحُه، فأخذه بجنايتِهِ أفضَلُ.


(١) أخرجه أحمد (٧٠٣٤) (٢/ ٢١٧).
(٢) "تفسير الطبري" (٨/ ٤٧٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>