للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيكونُ بحَسَبِ أهوائِهم وطمعِهم، وفي الآيةِ إشارةٌ باطنةٌ إلى أنَّ غيرَ المُصلِّين ليسوا بأهلِ شُورَي يُصْدَرُ عن رأيِهم.

الشُّورَى وفضلُها وشيءٌ مِن أحكامِها:

وفي ذِكْرِ الشُّورَى في هذه السورةِ المكيَّةِ بيانٌ لفضلِ الشُّورَى، وأنَّها مِن الأمورِ التي دعَت إليها الشريعةُ في أولِ الأمرِ والناسُ قليلٌ، ومعلومٌ أنَّ الناسَ بمكةَ مع قلَّتِهم على يقينٍ، فالمؤمِنُ منهم لم يُؤمِنْ إلَّا بإقبالٍ وقوةِ إيمانٍ وصِدْقٍ، ومع ذلك حَمِدَ اللَّهُ تشاوُرَهُمْ وأَثنى عليه، مع أنَّهم لو أُمِروا بشيءٍ، لم يُخالِفُوه، وإذا كان هذا في زمنِ قوةِ الإيمانِ واليقينِ وقلةِ العددِ، فهو مع ضَعْفِ الإيمانِ وكثرةِ العددِ آكَدُ.

وقد قال بعضُ السلفِ: "إنَّ الآيةَ قُصِدَ بها الأنصارُ في المدنيةِ"؛ وبهذا قال ابنُ زيدٍ (١)؛ فحَمِدَهم اللَّهُ لنبيِّه وهو بمكةَ لمّا أسْلَموا وأَبْدَوْا خيرًا في اتِّباعِ الحقِّ، وتشاوُرًا في أمرِهم.

وفي قولِهِ تعالى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} أنَّ الشُّورَى في أمرِهم، لا في أمرِ اللَّهِ، فما قَضَى اللَّهُ فيه، لا يجوز أنْ يُجعَلَ بينَ الناسِ شُورَى؛ فذلك مُحادَّةٌ للَّهِ؛ قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: ٣٦]، فليس للمُسلِمينَ فيما قضَى اللَّهُ ورسولُهُ فيه إلَّا اختيارُ قضائِهما، وأمَّا أَمْرُهُمُ فشُورَى بينَهم، لا يَفصِلُ أحدٌ عن جماعتِه فيه.

وما قضَتْ فيه الشريعةُ واختارَتْهُ، ولكنَّها وسَّعتْ في زمانِهِ ومكانِهِ كالجهادِ، فللمُسْلِمينَ التشاوُرُ في تعيينِ جهةِ القتالِ وزمانِه؛ لأنَّ التشريعَ لا يُشاوَرُ فيه، وكالوِلَايةِ! قضَى اللَّهُ أنْ لا سُلْطَانَ على المُسلِمِينَ إِلَّا


(١) "تفسير الطبري" (٢٠/ ٥٢٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>