للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خالَفَ تلك الحدودَ مِن الزوجَيْنِ، فظُلْمُهُ على نفسِه؛ فاللَّهُ لم يَشرَعِ الأحكامَ إلَّا لمنفعتِهِ ولو جَهِلَ ذلك أو غابتْ عنه حِكْمَتُه، وبيانُ ذلك في قولِه تعالى: ﴿لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا﴾؛ يعني: أنَّ اللَّهَ يُحدِثُ مِن تغيُّرِ الحالِ والرأي بينَ الزوجَيْنِ بعدَ عجَلةِ الطلاقِ ما يَنْدَمانِ عليه، فيَتراجَعانِ عن قُرْبٍ قبلَ خروجِ الزوجةِ مِن بيتِها، وقبلَ انقضاءِ العِدَّةِ، فجعَلَ اللَّهُ العِدَّةَ أجَلًا للنظرِ ومراجعةِ النَّفْسِ، فلو تَفَرَّقَ الزوجانِ مِن أولِ وقوعِ الطلاقِ، وخرَجَتِ الزوجةُ مِن بيتِ زوجِها، كانتِ الرجعةُ أشَقَّ، ومكابَرَةُ النفوسِ وعنادُها أشَدَّ، فتُهلِكُ العجَلةُ أهلَها، واللَّهُ يُريدُ بهم رِفْقًا.

وقد صحَّ عن عليٍّ قولُه: ما طلَّقَ رجلٌ طلاقَ السُّنَّةِ، فَنَدِمَ (١).

وذلك أنَّ اللَّهَ لم يشرِّعْ ذلك ويَضَعْ له عِدَّةً وحَدًّا إلَّا لتخرُجَ الزوجةُ مِن نَفْسِ زوجِها، والزوجُ مِن نفسِ زوجتِه، ولا يَجِدَا ألمًا وحَسْرةً على الفِراقِ، ولكنْ يَندَمُ الناسُ على الطلاقِ بمقدارِ مُخالفتِهم لحدودِ اللَّهِ فيه.

السُّكْنى للمُطلَّقةِ المَبْتُوتةِ:

وقد ذكَرَ غيرُ واحدٍ مِن السلفِ أنَّ الأمرَ في قولِه تعالى: ﴿لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا﴾ أنَّ المقصودَ هو الرَّجْعةُ؛ كما قاله الشَّعْبيُّ وعطاءٌ وقتادةُ والثوريُّ (٢).

وأخَذ غيرُ واحدٍ مِن الأئمَّةِ مِن لازِمِ هذه الآيةِ ودليلِ خِطابِها: عَدَمَ وجوبِ السُّكْنَى والنفقةِ للمطلَّقةِ المبتوتةِ؛ لأنَّ اللَّهَ لن يُحدِثَ لها مع زوجِها أمرًا فتَرجِعَ إليه، وبقاؤُها في عِصْمَتِهِ قد تَتْبَعُهُ مَفْسَدةُ أنْ يَستحِلَّ


(١) أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (١٧٧٣٧)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (٧/ ٣٢٥).
(٢) "تفسير الطبري" (٢٣/ ٣٨ - ٣٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>