للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التكفيرِ من العِباد، ومَن أُقِيمَ عليه الحدُّ، سقَطَ عنه إثمُ جُرْمِه، كما أنَّ مَن تابَ ولم يُقَمْ عليه الحدُّ وحَسُنتْ توبتُه، سقَطَ عنه إثمُ جُرْمِهِ في حقِّ الله، ومُقتضى رحمةِ اللهِ: ألَّا يَجمَعَ على عبدِه عقوبتَيْنِ.

والأخذُ بظاهرِ الآيةِ مِن غيرِ اعتبارٍ لتفصيلِ السُّنةِ: يَلزَمُ منه أنَّ التوبةَ وحدَها مُسقِطةٌ حتى لحقوقِ الآدميِّينَ كما تُسقِطُ حقَّ الله، وتفصيلُ السُّنةِ يُخالِفُ هذا الإطلاقَ.

والتوبةُ في الآية مقيَّدةٌ في إسقاطِ الحدِّ عنه، وهي التوبةُ الظاهرةُ والإقلاعُ عن الذنبِ؛ فالتوبةُ الظاهِرةُ فقطْ تُسقِطُ الحدَّ بشروطِه، والتوبةُ الباطنةُ تُسقط حقَّ اللهِ في الآخِرةِ بشروطِه؛ ولذا ختَمَ اللهُ الآيةَ بقولِه: {فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.

قال تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.

أحوالُ توبةِ المحاربينَ:

التوبةُ مِن اللهِ مقبولةٌ من كلِّ ذنبٍ، وأمَّا في حُكْمِ المُحارِبِ في الدُّنيا، فهي على حالَيْنِ:

الأُولى: إن كان المُحارب كافرًا يهوديًّا أو نصرانيًّا أو مشرِكًا أو ملحِدًا، فتابَ من كُفْرِهِ ومحاربتِه وأسلَمَ، فتوبتُهُ تأتي على الكفرِ وعلى المحارَبةِ وما فيها مِن إصابةِ دمٍ أو مالٍ، والإسلامُ يجُبُّ ما قبلَهُ ولو كان قتلًا وسرقةً واغتصابًا، وقد قَبِلَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إسلامَ جماعةٍ من الصحابةِ وكانوا قبلَ ذلك يَقطَعونَ طريقَهُ وطريقَ أصحابِهِ ويُخوِّفونَهم وربَّما سلَبُوا مالَهم، ومنهم وَحْشِيٌّ، فقد قتَلَ حمزةَ بن عبد المَطَّلِب، وقد أقَرَّ بينَ يدَي النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بقتلِه له؛ كما في "الصحيحِ" (١)، وترَكَه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -.


(١) أخرجه البخاري (٤٠٧٢) (٥/ ١٠٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>