لا تُنْسِيَها الثانيةُ، والعِلْمُ بنعمةِ العِلْم يذكِّرُ بشكرِها، وشكَرُها يَزيدُها؛ لعمومِ قولِهِ: ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾ [إبراهيم: ٧]، فمَن رزَقَهُ اللهُ علمًا وشكَرَهُ، أوْرَثَهُ الله عِلْمَ ما لم يَعلَمْ، وزاد في بَرَكَةِ علمِهِ فهمًا وتدبُّرًا، وانفجَرَت منه ينابيعُ الحِكْمةِ والتأمُّلِ والاستنباط، وأُلهِمَ السَّدَادَ.
نعمةُ العِلْمِ:
وفي الآيةِ؛ إشارةٌ إلى أنَّ نعمةَ العِلْمِ أعظَمُ مِن نعمةِ الأكلِ؛ فقد بيَّنَ اللهُ نعمةَ العِلْمِ وأضافَها إليه، قبلَ أن يُتِمَّ بيانَ حُكمِ طعامِ الصيد، ولم يُضِفْ هنا نعمةَ الطعامِ إليه؛ لوجودِ ما هو أعظَمُ منها وأحَقُّ بالإضافةِ وأولى.
صيدُ الجوارحِ:
وقوله تعالى: ﴿وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ﴾: الجوارحُ هي الكواسبُ، وفي الآيةِ: دليلٌ على حِلِّ جميعِ صيدِ الجوارحِ؛ سواءٌ كانت مِن الطيورِ أو مِن السِّباع، فما أمكَن تعليمُهُ، جاز صيدُهُ إن كان جارحًا.
وفي هذه المسألةِ خلافٌ:
فمنهم: مَن قيَّدَهُ بالكَلبِ؛ لأنه المنصوصُ عليه في الآيةِ في قوله: ﴿مُكَلِّبِينَ﴾؛ وهو قولٌ يُروى عن قِلَّةٍ مِن السلف، ونُسِبَ لمجاهدٍ.
والصحيحُ عنه خلافُه؛ رواهُ عنه خاصَّةً أصحابِه، كالقاسمِ بنِ أبي بَزَّةَ وابن أبي نَجِيحٍ.
والجمهورُ على عمومِ ذلك في كلِّ جارحٍ معلَّمٍ، جاء عن ابنِ عبَّاسٍ وابنِ عمرَ وعُبَيدِ بنِ عُمَيرٍ؛ وهو الصحيحُ؛ لأمورٍ:
الأول: أنه جاء في السُّنَّةِ والأثرِ النصُّ على البَازِي؛ منها حديثُ عَدِيٍّ؛ قال: سَألْت رَسُولَ اللهِ ﷺ عَنْ صَيدِ البَازِي، فَقَال: (مَا أَمْسَكَ