للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معرفةُ أقوالِ الصحابةِ والتابعينَ:

ولا غِنًى للمفسِّرِ عن كلامِ السلفِ صحابةً وتابعينَ، فقد فضَّلَهُمُ اللهُ على مَن بعدَهُم، وفيهم مِن فَصاحةِ اللِّسانِ وقُوَّةِ البيانِ ما ليسَ فيمَن بعدَهم، مع ما هُم عليه مِن الصِّدْقِ والدِّيَانةِ والحِيَاطةِ في الكلامِ، والتحرِّي في تفسيرِ كلامِ الله أَشَدُّ مِن غيرِه، وقد رَوَى أحمدُ - كما في "العلل" - عن عُبَيْدِ الله بنِ عُمَرَ قال: "أَدْرَكتُ بالمدينةِ رِجالًا، فرأيْتُهم يُعَظِّمُون القولَ في التفسيرِ ويهابُونَه، مِنهم القاسِمُ وسالِمٌ ونافِعٌ" (١).

وفي الصحابةِ مِن شِدَّةِ التوثُّقِ في التفسيرِ ما ليس في التابعينَ، مع فَضْلِهم وتزكيةِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -لهم، فلم يَحْمِلْهُم ذلك على الجَسَارَةِ على الفُتْيَا والقولِ بالظَّنِّ، وكانوا أشَدَّ الأُمَّةِ مشاوَرَةً ومراجَعَةً لبعضِهم في كلِّ نازِلةٍ، كما قالَ المُسَيَّبُ بنُ رافِعٍ: "كان الصحابة إذا نَزَلَتْ بِهِم قَضِيَّةٌ؛ ليس لرسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فيها أَثَرٌ؛ اجتَمَعُوا لها وأَجمَعُوا"؛ رواه الدارِمِيُّ (٢).

ولهذا كان قولُ الصحابةِ في صدرِ أقوالِ الأُمَّةِ، ومَن بَعدَهم تَبَعٌ لهم، فكُلُّ صوابٍ هُم أوْلَى الناسِ به، وكُلُّ خَطَإٍ هُم أَقَلُّ الناسِ حَظًّا فيه، ولم يُتَّهَمْ واحدٌ بالجُرْأَةِ على تفسيرِ كلامِ الله، والقولِ فيه بالتَّوَهُّمِ؛ لشِدَّةِ تعظيمِهم للهِ ولكلامِه والقولِ عليه بلا عِلْمٍ، وقد قال ابنُ أبي زَيْدٍ القَيْرَوَانِيُّ - كما في "الذب عن مذهب مالك" -: "وما عَلِمْتُ أنَّ أحدًا مِن أهلِ السُّنَّةِ تجاسَرَ على أنَّ صاحِبًا لرسولِ الله خالَفَ ظاهِرَ كتابِ الله" (٣)


(١) "العلل ومعرفة الرجال لأحمد، رواية ابنه عبد الله" (٢/ ٣٧٤).
(٢) "سُنَن الدارمي" (١١٦).
(٣) "الذب عن مذهب مالك" (٢/ ٦٨٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>