للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كونِ حالِ المجاهِدِ على قربٍ مِن الله، وحضورٍ بالصلاةِ والذِّكْر، وأحوجُ ما يكونُ العبد إلى قُرْبِ ربِّه عند خوفِهِ وتربُّصِ عدوِّه، فاحتاجَ إلى حضورِ قلبِهِ بالعبادة، ومِن أعظَمِها: الصلاةُ والذِّكرُ.

وقال تعالى: {فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ} حملًا للحالِ على الأغلبِ؛ لأن صلاةَ الخوفِ في حالِ خوفٍ ونَصَبٍ، وحَذَرٍ وتَعَبٍ، وليس في الآيةِ قصرٌ لحكمِ الإتمامِ في الطُّمأنية، ولا لحكمِ القصرِ في الخوفِ؛ ففد يكونُ المسافر مطمَئنًّا والمقيمُ حائفًا، فالعِبْرةُ بالسفرِ للقصرِ ولو مطمَئنًّا، وبالخوفِ لصلاةِ الخوفِ ولو مقيمًا.

ولهذا فسَّرَ غيرُ واحدٍ مِن السلفِ الطمأنينةَ في الآيةِ بالإقامةِ كمجاهِدِ وقتادةَ، وفسَّرَها أبو العاليةِ بالنزول، وفسَّرها السديُّ بالأمنِ (١).

مشروعيَّةُ الذكرِ على كلِّ حالٍ:

وقولُه تعالى: {فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ}، فيه مشروعيَّةُ الذِّكْرِ على كلِّ حالٍ، وفيه وجوبُ أداءِ صلاةِ الفرضِ على المريضِ ما دام مُدرِكًا حسَبَ قدرته، والمريضُ إذا عجَزَ عن القيام، يتعيَّنُ عليه القعودُ، ولو صلَّى على جنبه وهو قادرٌ على القعود، بطَلَتْ صلاتُه، كما تَبْطُلُ صلاةُ مَن صلَّى فَرْضَهُ قاعدًا وهو قادرٌ على القيامِ؛ وذلك لقولِه - صلى الله عليه وسلم - في حديثِ عِمرانَ بنِ حُصَيْنٍ: (صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ) (٢).

وجوبُ الصلاةِ على العاجزِ عن الحركةِ:

وفي الآيةِ: إيجابُ الصلاةِ على المُسلِمِ ولو كان غيرَ قادرٍ على الإتيانِ بالركوعِ والسجودِ؛ لِشَلَلٍ أو قيدٍ أو إكراهٍ على تَرْكِها، وخوفٍ مِنَ


(١) ينظر: "تفسير الطبري" (٧/ ٤٤٧)، و "تفسير ابن أبي حاتم" (٤/ ١٠٥٦).
(٢) أخرجه البخاري (١١١٧) (٢/ ٤٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>