للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تقسيمُ الذنوبِ إلى كبائر وصغائِرَ:

وقد ذهَبَ بعضُ المتكلِّمينَ: إلى عدمِ تقسيمِ الذنوبِ إلى كبائرَ وصغائرَ؛ كالبَاقِلَّانِيِّ والإسْفَرَايِيِنيِّ وإمامِ الحرَمَيْنِ الجُوَيْنِيِّ.

والنصوصُ دالَّةٌ صريحةٌ متواترةٌ على تقسيمِ الذنوبِ إلى صغائرَ وكبائرَ؛ كما في قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ﴾ [النجم: ٣٢]، واللممُ هي الصغائرُ، وفي قولِه تعالى: ﴿وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ﴾ [الحجرات: ٧]، وفي هذه الآيةِ تقسيمُ الذنوبِ إلى كفرٍ وفسقٍ، وهي الكبائرُ، وعصيانٍ، وهي الصغائرُ؛ وتنويعُها بالاسمِ دليلٌ على اختلافِ قَدْرِها.

وقد تواتَرَتِ الأحاديثُ على ذلك في "الصحيحَيْنِ"، وغيرِهما، وتقسيمُ الذنوبِ إلى ذلك محلُّ اتِّفاقٍ عندَ السلف، ونسبةُ غيرِ ذلك إلى بعضِ الصحابةِ؛ كابنِ عبَّاس، ليس المرادُ مِنه نفيَ تبايُنِ الذنوبِ في عِظَمِها وكِبَرِها؛ وإنَّما حتى لا يتساهَلَ الناسُ في مُقارَفةِ الصغائر، وله أقوالٌ كثيرةٌ ورواياتٌ متعدِّدةٌ في تقسيمِ الذنوبِ إلى كبائرَ وصغائرَ.

وإنَّما يَختلِفُ السلفُ في حدِّها وعدِّها؛ فالكبائرُ فيها مُوبِقاتٌ، وفيها كبائرُ لم تُوصَفْ بالمُوبِقَة، وفي الذُّنوبِ صغائرُ تتبايَنُ في صِغَرِها، وتبايُنُ الذُّنوبِ كتبايُنِ الطاعات، والقولُ بعدمِ تبايُنِ الذُّنوبِ كالقولِ لعدمِ تبايُنِ الطاعاتِ؛ لأنَّ لكلِّ طاعةٍ مأمورٍ بها ذنبًا يُقابِلُها مِثلَها؛ سواءٌ بتركِ الطاعة، أو الابتداعِ فيها، أو التساهُلِ في أدائِها.

اختلافُ الذنوب، بحَسَبِ القلوبِ:

والذنوبُ تختلفُ بحسَبِ أعمالِ القلوب؛ فقد يكونُ الذنبُ عظيمًا فيَقترِفُهُ العبدُ بقلبٍ خائفٍ وَجِلٍ مِن عقوبتِهِ وَأثرِه؛ فهذا الذنبُ في حقِّه أقلُّ مِن غيرِه، وقد يَقترِفُ العبدُ الصغيرةَ وهو مستهينٌ بها غيرُ مبالٍ بمَن عَصَى؛ فتكونُ في حقِّه أكبَرَ مِن غيرِه.

<<  <  ج: ص:  >  >>