للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما دخَلَتِ امرأةٌ النارَ في هِرَّةٍ (١)، وعفا اللهُ عمَّن لم يَعمَلْ خيرًا قَطُّ وأمَرَ أبناءَهُ بتحريقِه؛ لأنَّه فعَلَ ذلك خوفًا مِن اللهِ (٢)، والحديثانِ في "الصحيحَيْنِ".

وهذا كما أنَّه في بابِ مقاديرِ الذنوب، فكذلك في تكفيرِها؛ فقد يَعظُمُ العملُ الصالحُ القليلُ في مقابلِ ذنبٍ عظيمٍ مُوبِقٍ فيُكفِّرُ اللهُ الذنبَ العظيمَ بالعملِ الصالحِ القليلِ؛ كما كفَّرَ اللهُ للبَغِيِّ زِناها لأجلِ سَقْيِها الكلبَ، والحديثُ في "الصحيحينِ" (٣).

ويُشكِلُ عندَ كثيرٍ مِن الفقهاءِ: أنَّ الصلواتِ والجمعةَ ورمضانَ وهي أركانُ الإسلامِ - لا تُكَفِّرُ الصغائرَ إلَّا باجتناب الكبائر، والحجُّ دونَها وقد جاء في الحديثِ في الحاجِّ: (مَنْ حَجَّ هَذَا البَيْتَ، فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ) (٤)، وظاهرُه العمومُ، ولكنْ يَحمِلُونَ حديثَ الحجِّ على حديثِ الصلاةِ والجمعةِ ورمضانَ؛ لأنِّه دونَها في الرُّكْنِيَّةِ والفضل، ويَظنُّونَ أنَّ التكفيرَ يكونُ بحجمِ العمل، وهذا ليس بلازمٍ؛ ففضلُ العبادةِ في ذاتِهِ لا يَعني فَضْلَها على ما دونَها في تكفيرِ السيِّئاتِ؛ فالفضلُ للعملِ الصالحِ خاصٌّ لا يَلزَمُ منه مماثلةُ التكفيرِ؛ فالتكفيرُ يحتاجُ إلى نصِّ خاصٍّ لمعرفةِ ما يأتي عليه مِن الذُّنوبِ ونوعِها، ولا يُؤخَذُ بالقياسِ المجرَّدِ لبابِ التفاضُلِ؛ فالأذكارُ تتفاضَلُ، وأفْضَلُها قولُ: لا إلهَ إلَّا اللهُ، ولكنَّ الاستغفارَ أَقْوَى في تكفيرِ الذنبِ المُعَيَّنِ مع فضلِ كلمةِ الإخلاصِ على الاستغفارِ؛ ولذا أرشَدَ الشارعُ عندَ الذُّنوبِ إلى الإكثارِ مِن الاستغفارِ والتوبة؛ ، لأنَّه أظهَرُ في قصدِ الذنبِ وتعيينِ طلبِ تكفيرِه، مع


(١) أخرجه البخاري (٢٣٦٥) (٣/ ١١٢)، ومسلم (٢٢٤٢) (٤/ ١٧٦٠).
(٢) أخرجه البخاري (٣٤٨١) (٤/ ١٧٦)، ومسلم (٢٧٥٦) (٤/ ٢١١٠).
(٣) أخرجه البخاري (٣٤٦٧) (٤/ ١٧٣)، ومسلم (٢٢٤٥) (٤/ ١٧٦١).
(٤) سبق تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>