للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنَّ كلمةَ الإخلاصِ تُكَفِّرُ أعظَمَ الذنوب، وهو الشِّرْكُ؛ لأنَّ كلمةَ التوحيدِ أظهَرُ في قصدِ نفيِ الشركِ والبراءةِ منه؛ ولذا قد يُكَفِّرُ اللهُ بالعملِ المفضولِ ذنبًا أعظَمَ ممَّا يُكَفِّرُهُ العملُ الفاضلُ، والأجرُ في العملِ الفاضلِ أكثَرُ، ولكنْ في التكفيرِ أقلُّ، والمفضولُ في الأجرِ أقَلُّ، وفي التكفيرِ أكثَرُ؛ لظهورِ قصدِ التوبةِ وطلبِ العَفْوِ والغُفْرانِ فيه أكثَرَ.

وقد يأتي التكفيرُ في الدليلِ للذُّنوبِ بالإطلاق، ويُقصَدُ منها الصغائرُ؛ كتكفيرِ الذنوبِ وتَحَاتِّهَا بالوُضوءِ؛ كما في الحديثِ: (إِذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ، تَحَاتَّتْ عَنْهُ ذُنُوبُهُ، كَمَا تَحَاتُّ وَرَقُ هَذِهِ الشَّجَرَةِ) (١).

والمقصودُ مِن ذلك الصغائرُ بلا شكٍّ؛ وذلك مِن وجهَيْنِ:

الأولُ: أنَّ ورَقَ الشجرِ؛ يعني: خفيفَ حَمْلِها وصغيرَه، لا موتَ شجرِ الذُّنوبِ وسقوطَ أغصانِه.

الثاني: أنَّ الوضوءَ لازمٌ للصلاةِ؛ فلا صلاةَ بغيرِ طُهورٍ؛ كما في الحديثِ (٢)، والصلواتُ تُكفِّرُ ما بينَها إنِ اجْتُنِبَتِ الكبائرُ، فإذا كان الوضوءُ يُكفِّرُ الذنوبَ كلَّها الكبائرَ والصغائرَ، فالأَوْلى الاكتفاءُ بذِكْرِهِ وتعظيمِهِ في بابِ التكفيرِ على الصلاة، والنصوصُ في تكفيرِ الصلاةِ للذنوبِ أكثَرُ مِن الوضوءِ.

وعلى هذا يُحمَلُ حديثُ أبي هريرةَ في "الصحيحَيْنِ"؛ قال (أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ، هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ؟ )، قَالُوا: لَا يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ , قَالَ: (فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، يَمْحُو اللهُ بِهِنَّ الْخَطَايَا) (٣).


(١) أخرجه البيهقي في" شعب الإيمان" (٢٤٨٢).
(٢) أخرجه مسلم (٢٢٤) (١/ ٢٠٤).
(٣) أخرجه البخاري (٥٢٨) (١/ ١١٢)، ومسلم (٦٦٧) (١/ ٤٦٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>