للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأعمالِ في النفوسِ تواكُلًا؛ فيَقَعَ الإنسانُ في الأمنِ والاتكالِ على عملِه؛ فيَنقطِعَ ويُسرِفَ على نَفْسِه.

جمعُ الصلاتَيْن بمزدَلِفة:

وفسَّرَ بعضُ السلفِ ذِكْرَ اللهِ بعدَ الإفاضةِ مِن عَرَفاتِ في الآيةِ بأنَّه جَمْعُ صَلَاتَيِ المغربِ والعشاءِ يومَ عَرَفةَ بمزدَلِفةَ؛ رواهُ ابنُ أبي حاتمٍ، عن سفيانَ بنِ عُيَيْنَةَ (١).

وقال به ابن جريرٍ، ورواهُ عن زكريَّا، عن ابنِ أبي نَجِيحٍ: "أنَّها الصلاةُ بمزدَلِفةَ" (٢).

وكلُّ ذلك: مقصودُ عمومِ الذِّكْرِ وإقامِ الصلاةِ فيها؛ ففِعلُ النبيِّ يُترجِمُ عمومَ القرآنِ، وكذا أصحابُهُ مِن بَعْدِه.

وجمعُ الصلاتَيْنِ سُنَّةٌ مؤكَّدةٌ عندَ عامَّةِ العلماءِ، تُجمَعانِ جمعَ تأخيرٍ بمزدَلِفةَ.

وذهَبَ قلةٌ مِن الفقهاءِ: إلى وجوبِ الجمعِ.

وكأنَّهم جعَلُوهُ مِن النُّسُكِ، أو جعَلُوا ذلك الجمعَ المؤخَّرَ بعَرَفةَ وقتًا للصلاةِ كمواقيتِ الصلاةِ الأُخرى، ومَن أدَّاها قبلَه كمَنْ أدَّى الصلاةَ قبلَ وقتِها، ولا قائلَ بذلك مِن السلفِ مِن الصحابةِ وكِبَارِ التابعينَ؛ وهو قولٌ لأبي حنيفةَ، وقال به ابنُ حَبِيبٍ مِن المالكيَّةِ؛ واستدَلُّوا بقولِ النبيِّ لأسامةَ بنِ زَيْدٍ: (الصَّلَاةُ أَمَامَكَ) (٣)، فأمَرُوا مَن جَمَعَ بغيرِ مزدَلِفةَ وجاءَها قبلَ الفجرِ أنْ يُعِيدَ.

وبعضُ الفقهاءِ يرى إعادةَ العشاءِ إنْ صلَّاها قبلَ مغيبِ الشَّفَقِ، وهو قولُ بعضِ أصحابِ مالكٍ وقولٌ للشافعيِّ.


(١) "تفسير ابن أبي حاتم" (١/ ٣٥٢).
(٢) "تفسير الطبري" (٣/ ٥١٦).
(٣) أخرجه البخاري (١٣٩) (١/ ٤٠)، ومسلم (١٢٨٠) (٢/ ٩٣١).

<<  <  ج: ص:  >  >>