للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا وجَبَ القِتالُ لِفَكِّ الأسرَى، فبَذلُ المالِ لذلك أَولى مِن بَذلِ الدمِ، وقد روى أشْهَبُ وابن نافعٍ، عن مالكٍ؛ أنَّه سُئِلَ: أواجبٌ على المُسلِمينَ افتداءُ مَن أُسِرَ منهم؟ قال: نَعَمْ، أليس واجب عليهم أن يُقاتِلُوا حتَّى يَستنقِذُوهم؟ ! فكيف لا يَفدُونَهم بأموالِهم؟ !

وقال أحمد: يُفَادَوْنَ بالرؤوس، وأمَّا بالمال، فلا أَعرِفُهُ (١).

ولعلَّ مرادَ أحمدَ: أن النَّبيَّ كان يُفادِي الأسرَى بالأسرَى، لا بالمالِ؛ لأنَّ هذا أَقوَى لشوكةِ المُسلِميِنَ وهَيبَتِهم، وألَّا يُستضعفوا ويُهانُوا؛ فالنفوس أعظَمُ منزلةً مِن الأموالِ عندَ أهلِها، والرأسُ بالرأسِ مُكافأةٌ بالمِثلِ؛ لا يَظهَرُ في ذلك استضعافٌ لأحدٍ، وأمَّا المالُ، فيَظهَرُ فيه الضَّعْفُ، مع القولِ بجوازِ دفعِهِ بل بوجوبِهِ إن تعذَّرَت الرؤوسُ والقوةُ، ولم يرِدْ أحمدُ: ألَّا يُفَكَّ الأسيرُ بالمالِ.

ويُروى عن عمرَ أن فَكَاكَ الأسيرِ يكونُ مِن بيتِ المالِ (٢).

مراتبُ فكاكِ الأسيرِ:

والأَوْلى في فَكَاكِ الأسيرِ: أن يكون بالقتالِ إن كان في المُسلِمينَ قوةٌ، ولهم مَنَعةٌ؛ لإظهارِ العزةِ والقُوة، وإن كانت مفاسدُ القتالِ في إضعافِ المُسلِمِينَ كبيرةُ، فيكونُ بالفِداءِ أسيرٌ بأسيرٍ، وإن تعذَّرَ، فبالمالِ، وإنما تأخَّرَ فَكاكُ الأسيرِ بالمالِ عن الفَكَاكِ بالقتالِ والفِداءِ؛ لأنَّ المالَ مع كونِه مُعينًا في ظهورِ وقوةِ الكفارِ إلا أنَّه يُطمعهم في المُسلِمِينَ، فيَأْسِرُونَ منهم لِيَغنَمُوا فَكَاكًا بالمالِ، ولكنْ لو فُكَّ الأسيرُ بالقتالِ والفِداءِ كان في ذلك ظهورٌ للمُسلِمِينَ وذلٌّ للكافِرينَ وردعٌ لهم.

وفَكَاكُ الأسيرِ أولى مِن جميع الأصنافِ الثمانيةِ مِن بيتِ المالِ وأموالِ المسلِمينَ.


(١) "شرح صحيح البخاري" لابن بطال (٥/ ٢١٠).
(٢) السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>