كان مَن يتولَّى عليهم أهلَ إسلامٍ، وإذا كان مَن يتولَّى عليهم غيرَ مسلِمينَ، فعلى ما تقدَّمَ بيانُه مِن التدرُّجِ.
وعلى المسلِمِين المحكومينَ ألَّا يتحاكَمُوا إلا إلى دِينِ اللهِ وشَرْعِه، ومَن فضَّل التحاكُمَ إلى الأنظمةِ الوضعيَّةِ على الشريعةِ، ورأى أنَّ الشريعةَ لا تصلُحُ للإنصافِ، أو لا تُناسِبُ عصرَهُ، ولا إقامةَ العدلِ في بلدِه -: فهذا الكفرُ الأكبرُ الذي لا يَختلِفُ فيه أحدٌ.
الحالُ الثانيةُ: حالةُ حربٍ وعدمِ استقرارٍ:
وذلك ألَّا يكونَ للمسلِمِينَ مجتَمَعٌ يُؤْوِيهم وينضبِطُ فيه نظامُهم، ويثْبُتُ لهم فيه قرارٌ؛ فهذه الحالُ إنْ قامتْ مصلحةٌ في تركِ الحدِّ وعدمِ إقامتِهِ، فلهم ذلك؛ تركًا لعينِ النازلةِ، لا إسقاطًا للحكمِ بالكليَّةِ، أو تشريعًا لنظامٍ بديلٍ يَحُلُّ مَحَلَّ حُكْمِ اللهِ وحدودِه؛ لأنَّ حُكمَ اللهِ ثابتٌ في القرآنِ والسُّنَّةِ، وثبوتُهُ قطعيٌّ، واستحلالُ تركِ العملِ به مطلقًا كُفْرٌ لا يختلِفُ العلماءُ فيه، وتقنينُ عقوبةٍ بديلةٍ - ولو لحدٍّ واحدٍ من حدودِ اللهِ - علامةٌ على أنَّ الشريعةَ ما تُرِكَتْ إلا رغبةً عنها، واسحلالًا لتركِها.
وإذا كان للمسلِمِينَ دَوْلةٌ مستقِرَّةٌ، وبعضُ المسلِمِينَ في دارِ الحربِ؛ لجهادٍ ونحوِه، وأصابَ واحدٌ منهم في دارِ الحربِ حَدًّا -: فلا يخلُو الحدُّ مِن أحدِ نوعَيْنِ:
الأولُ: أنْ يكونَ الحدُّ حقًّا لعبدٍ؛ كمَنْ سَرَقَ مالًا، أو قتَلَ مسلِمًا متعمِّدًا، أو قطَعَ يدَهُ؛ فيجِبُ إقامتُهُ إنْ لم يَعْفُ صاحبُ الحقِّ وإنْ كانوا في حربٍ؛ كما فعَلَ النبيُّ ﷺ؛ فقد أخَذَ القِصَاصَ وهو غازٍ في سَيْرِهِ إلى الطائفِ سنةَ ثمانٍ من الهجرةِ: