للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إتيانُ المرأةِ في دبرِهَا عند السلف:

ولا يَختلِفُ السلفُ مِن الصحابةِ والتابعينَ والأئمةِ الأربعةِ: في تحريمِ إتيانِ المرأةِ في دُبُرِها، إلا شيئًا ورَدَ في ذلك عن ابنِ عمرَ، ومحمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ، ومالكٍ.

أمَّا ما جاء عنِ ابنِ عمرَ: فما مِن راوٍ عن ابنِ عمرَ يروِي عنه جوازَ إتيانِ المرأةِ في دُبُرِها إلا وله روايةٌ في تحريمِ ذلك مِن وجهٍ آخَرَ؛ فرَوَى سالمٌ ونافعٌ، عن ابنِ عمرَ: المنعَ؛ كما رُوِيَ عنهما عن ابنِ عمرَ: روايةُ الجوازِ، ومِثلُه: أبو الحُبَابِ سعيدُ بنُ يَسَارٍ رَوَى المنعَ عن ابنِ عمرَ، ورُوِيَ عنه عن ابنِ عمرَ: الجوازُ، وحَمْلُ رأيِهِ على روايةِ الجماعةِ أَوْلى مِن حَمْلِهِ على المُخالِفِ.

وهذا القولُ عن ابنِ عمرَ مع مخالفتِه الصحابةَ والتابعينَ لا يُشارُ إليه، فضلًا عن أنْ يُصارَ إليه؛ كيف وقد جاء عنه - رضي الله عنه - ما يوافِقُ الصحابةَ ويَجْرِي مع ظاهرِ الدليلِ؟ ! وقد جاء عنه التشديدُ في النهيِ، كما رَوى سعيدُ بنُ يسارٍ: "أنَّه سأَلَ ابنَ عمرَ، فقال له: يا أبا عبدِ الرحمنِ، إنَّا نشترِي الجوَارِيَ فنُحَمِّضُ لَهُنَّ؟ فقال: وما التحميضُ؟ قال: الدُّبُرُ، فقال ابنُ عمرَ: أُفٍّ أفٍّ! يفعلُ ذلك مؤمنٌ؟ ! " (١).

وهكذا جماعةٌ مِن الصحابةِ كما روى قتادةُ عن أبي الدرداءِ؛ قال: "هل يفعلُ ذلك إلا كافرٌ؟ ! " (٢).

يعني: الكفرَ الأصغرَ؛ كالطَّعْنِ في النَّسَبِ، والنياحةِ على المَيِّتِ، والانتسابِ لغيرِ الأبِ، ونحوِ ذلك مما دلَّ الدليلُ على تسميتِه كُفْرًا، ورفَعَتْ عنه الأدلةُ الأُخرى الخروجَ مِن الدِّينِ كلِّه.

ويظهَرُ أنَّ الجوازَ الوارِدَ عن ابنِ عمر، أراد به: إتيانَ المرأةِ مِن


(١) "تفسير الطبري" (٣/ ٧٥٢).
(٢) "تفسير الطبري" (٣/ ٧٥٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>