ثالثًا: نزولُ العقوبةِ ولو بعدَ حينٍ بالكاذبِ؛ كفايةً لشرِّه، ودفعًا لباطِلِه؛ ففي "المُسنَدِ" لأحمدَ، عن ابنِ عباسٍ ﵄؛ قال:"ولو خَرَجَ الذينَ يُباهِلُونَ رسولَ اللهِ ﷺ، لَرَجَعُوا لا يَجِدُونَ مالًا ولا أهلًا"(١) وهذا ليس لكلِّ أحدٍ؛ وإنَّما لِمَقامِ النبوَّةِ، ويَخُصُّ اللهُ به بعضَ عبادِهِ مِن أوليائِه ربَّما لخصيصهٍ في الدَّاعي، وربَّما لِعِظَمِ بليَّةِ مَن دُعِيَ عليه فيما يقولُ.
ولا دليلَ على زمنِ هلاكِ المبطِلِ ومكانِه، فقد يُؤخِّرُه اللهُ زمنًا، وقد يُعجِّلُه اللهُ، وقد يدَّخِرُ أمْرَه للآخرةِ لحكمتِهِ سبحانَه، وقد تتحقَّقُ جميعُ هذه المقاصدِ، وقد يتحقَّقُ بعضُها.
المباهلةُ في فروعِ الدين:
وتجوزُ المُباهَلةُ في الفروع إذا خُشِيَ مِن تبديلِها وطمسِها وتحريفِها، أو جحدِها وتكذيبِها؛ لأنَّ تبديلَ القرعِ وتكذييَهُ يُعتبَرُ مِن الأصولِ، بخلافِ العملِ بالفرعِ بعينِه، فهو فرعٌ، ولكنَّ إنكارَهُ وتبديلَهُ يُلحَقُ بالأصولِ؛ ولذا قد باهَلَ غيرُ واحدٍ مِن السلفِ كابنِ عباسٍ في الفروعِ في بعضِ مسائلِ الفرائضِ في مسألةِ الجَدِّ والجَدَّةِ، ودعَا ابنُ مسعودٍ إلى المُباهَلةِ في سببِ نزولِ سورةِ النساءِ كما رواهُ مَسْرُوقٌ عنه، وكذلك عكرمةُ في بعضِ أسبابِ النزولِ؛ كما في نزولِ قولِهِ تعالى: ﴿وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ﴾ [الأحزاب: ٣١] , ودَعَا الأوْزَاعِيُّ سُفيانَ الثوريَّ للمُباهَلةِ في مسألةِ رفعِ اليدَيْنِ في