وإنَّما قُدِّمَتِ الصلاةُ والزكاةُ والصومُ على الحجِّ في الحديثِ؛ لأنَّها أَسبَقُ في زمنِ الفرضِ، وآكَدُ مِن جهةِ العملِ، وأَعَمُّ مِن جهةِ خطابِ المكلَّفينَ؛ فالصلاةُ يُؤمَرُ بها مِن غيرِ إثمٍ الصبيُّ وهو ابنُ سبعٍ، وتَجِبُ في كلِّ الأرضِ على المكلَّفِ ذَكَرًا أو أُنثى، الصحيحِ والمريضِ كلٌّ بحَسَبِه، وتتعدَّدُ في اليومِ والليلة، وأمَّا بقيةُ الأركان، ففرضُها بينَ حَوْلِيٍّ كالزكاِة والصيام، وبينَ مرةٍ في العُمْرِ كالحجِّ.
وأمَّا الزكاةُ، فالخِطابُ يَتوجَّهُ للمكلَّفينَ أوسعَ مِن خطابِ المكلَّفينَ في الصيام، فقُدِّمَتِ الزكاةُ؛ لأنَّها تَجِبُ في الأموال، لا على الأشخاصِ؛ كزكاةِ الفِطْرِ؛ وهذا أعَمُّ في خِطابِها، فتجبُ الزكاةُ في مالِ الصحيحِ والمريض، الصغيرِ والكبير، والعاقلِ والمجنون، ومَن عَجَزَ عن القيامِ بنفسِه، قامَ بها وليُّه.
وأمَّا الصيامُ، فعلى الأشخاصِ المكلَّفِينَ، ويسقُطُ بالعجزِ، فلا يجبُ على الصغيرِ والمجنونِ والمريضِ والمسافرِ، ثمَّ إنَّ الزكاةَ فريضةٌ متعدِّيةٌ مِن الغنيِّ إلى الفقير، بخلافِ الصوم، فهو عبادةٌ لازمةٌ لفاعِلِها، والزكاةُ قد تجبُ في الحَوْلِ أكثرَ مِن مرةٍ في الزروعِ والثِّمارِ التي يتكرَّرُ حَصَادُها وقِطَافُها في العامِ؛ لهذا كانتِ الزكاةُ أوسَعَ خطابًا مِن الصيامِ؛ فقُدِّمَتْ وتَلَتِ الصلاةَ في القرآنِ في مواضعَ كثيرةٍ؛ قال تعالى في الأمرِ بها: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾ [البقرة: ٤٣]، وعن عيسى قال: ﴿وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ﴾ [مريم: ٣١]، وعن إسماعيلَ قال: ﴿وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا﴾ [مريم: ٥٥]، وقال في الإخبارِ عن المؤمِنينَ: ﴿وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ﴾ [البقرة: ١٧٧]، وقال: ﴿وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ﴾ [البقرة: ٢٧٧]، وقال: ﴿وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ