التعبُّدُ لله بالجلوسِ المجرَّدِ بلا سببٍ يَقترِنُ به؛ فليس عبادةً في ذاتِه.
حكمُ السجودِ بسببٍ وغيرِ سببٍ:
ومِن أعمالِ الصلاةِ: السجودُ؛ وهو أعظَمُ أعمالِ الصلاة، وأعظَمُ مِن القيامِ والركوعِ والجلوس، وأقرَبُ ما يكونُ العبدُ إلى ربِّه، وهو ساجدٌ، ويُشرَعُ في الصلاةِ وفي غيرِ الصلاة، وفي غيرِ الصلاةِ؛ كسجودِ التلاوةِ والشُّكرِ والآية، واختلَفَ العلماءُ في جوازِ التعبُّدِ للهِ بالسجودِ بلا سببِ على قولَينِ:
والأصحُّ: عدمُ جوازِ ذلك؛ لأنَّه لو كانَ مشروعًا، لَدَلَّ الدليلُ على التعبُّدِ بالسجودِ؛ فهو أيَسرُ للمسلِمِ مِن إنشاءِ الصلاة، وقياس جوازِهِ على جوازِ الصلاةِ خطأٌ؛ فإنَّ الصلاةَ قد دلَّ الدليلُ على جوازِها بسببٍ وبغيرِ سببٍ؛ فشرَعَ اللهُ النوافِلَ المُطلَقة، ولم يَشرَعِ السجودَ المُطلَقَ، وهو أيسَرُ وأسهَلُ وأولى لو كان جائزًا أن يَرِدَ الدليلُ في جوازِه.
ثم إنَّه لم يثبُت عن النبيِّ ﷺ أنه كان يسجُدُ بلا سببٍ، لا هو ولا أصحابُه، وكلُّ السجودِ المرويِّ عنهم فكان لسببٍ خارجٍ عن مجرَّدِ السجودِ؛ كالتلاوةِ؛ فلولا التلاوةُ ما سجَدَ، وكسجودِ الآيةِ؛ فلولا الآيةُ ما سجَدَ، وكسجودِ الشكرِ؛ ولولا ظهورُ النِّعْمةِ ما سجَدَ.
والقولُ بمشروعيَّةِ السجودِ بلا سببٍ: يُعطِّلُ الصلاةَ، ولو كان، لَظهَرَ العمل به في السالفِين؛ فإنَّ السجودَ أَعظَمُ أعمالِ الصلاة، وتتشوَّفُ الناسُ إليه؛ ومِن ذلك ما جاءَ في "صحيحِ مسلمٍ" مِن قولِهِ ﷺ: (عَلَيْكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ لِلَّهِ؛ فَإِنَّكَ لَا تَسْجُدُ لِلَّهِ سَجْدَةً، إلَّا رَفَعَكَ اللهُ بِهَا دَرَجَةً)(١)، والمرادُ بذلك: الصلاةُ، لا السجودُ المجرَّدُ، فاللهُ يُسمِّي