للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

استقبالُ القبلةِ في صلاةِ الخَوْفِ:

وهذه الصِّفاتُ الخمسُ السابقةُ تدلُّ على تأكُّدِ استقبالِ القِبْلة، ووجوبِهِ على القادرِ؛ فاللهُ لم يجعَلْ طائفةً خَلْفَهم تحرُسُ إلَّا والقِبلةُ أمامَهم، ولو جاز تركُ الاستقبالِ بكلِّ حالٍ في صلاةِ الخوف، لاستَدَارُوا جميعًا جِهَةَ العدوِّ واستقبَلُوهُ بدَلَ القِبْلة، وصلَّوْا جميعًا كما في الصِّفَةِ الرابعةِ والخامسةِ.

وإنَّ استقبالَ القِبْلةِ لا يسقُطُ إِلَّا عندَ العجزِ عن أداء الصَّلاةِ جماعةً طائفةً أو طائفتيْن، وقد لا يسقُطُ الاستقبالُ في حالِ الصلاةِ فُرادى عندَ أمنِ الرَّجُلِ إن كانَ وحدَهُ مِن الرُّماة، وخَشيتُهُ هي مِن بروزِهِ فحَسْبُ، وهذا ما قال به ابن عُمرَ فما رواهُ عنه مالكٌ وغيره؛ قال: "إن كان خوفًا أشدَّ مِن ذلك، صلَّوْا رِجالًا أو رُكبانًا، مُستقبِلي القِبلةِ وغيرَ مُستقبِليها" (١).

السادسةُ: وهي المقصودةُ في قولِهِ تعالى: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا﴾ [البقرة: ٢٣٩]، وهي أن يُصلِّيَ كلُّ مُسلمٍ وحدَهُ، وهذه حالُ المُسايَفةِ والمُواجَهة، فلا يتَمكَّنُ المُسلِمونَ مِنَ الاصطفافِ والاجتماعِ خوفَ رميِ العدوِّ واستِهدافِه؛ وهذا ثبَتَ في "الصحيحينِ"؛ مِن حديثِ ابنِ عُمرَ؛ قال: "إِنْ كَانَ خَوْفٌ هُوَ أشَدَّ مِن ذَلِكَ، صَلَّوْا رِجَالًا قِيَامًا عَلَى أَقدَامِهِمْ أوْ رُكْبَانًا، مُسْتَقْبِلِي القِبْلَةِ أوْ غيْرَ مُستَقْبِلِيهَا".

قال نافعٌ راويهِ عنِ ابنِ عُمرَ: "لا أرى عبدَ اللهِ بنَ عُمرَ ذكَرَ ذلك إلَّا عن رسولِ اللهِ " (٢).

وصفةُ الصلاةِ راجلًا وقائِمًا: بالإيماءِ؛ كما جاءَ عنِ ابنِ عُمرَ؛ أنَّه قال: "إذا اختَلَطُوا فإنَّما هو الذِّكْرُ وإشارةُ الرَّأسِ" (٣).


(١) أخرجه مالك في "الموطأ" (عبد الباقي) (٣) (١/ ١٨١)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (٣/ ٢٥٦).
(٢) أخرجه البخاري (٤٥٣٥) (٦/ ٣١)، ومسلم (٨٣٩) (١/ ٥٧٤).
(٣) أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (٣/ ٢٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>