للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بيانِ الحُكمِ؛ {مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى}؛ لأنَّه لم يَكُنْ معلومًا مِن قبلُ، ولم يَثبُتْ إلَّا بالوَحْيِ.

وقولُه تعالى: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ}؛ يَعني: مَن آمَنَ بِمُحمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -، وأَعْلى مقصودٍ في الآيةِ وأوَّل مُراد فيها: همُ الصحابةُ - رضي الله عنهم -، وقد قال أحمدُ بنُ حنبل: "الإجماعُ إجماع الصَّحَابة، ومَن بعدَهم تَبَعٌ لهم"، فإذا ثبَتَ إجماعهُمْ في مسألةٍ وعلى حُكْم، كان المخالِفُ لإجماعِهم كالخارجِ عن النَّصِّ البيِّنِ مِن الوحي؛ لأنَّ اللهَ قرَنَ الخروجَ عن سبيلِ المؤمنينَ بالشِّقاقِ للرسولِ.

دليلُ الإجماعِ من الوحي:

وفي هذه الآيةِ: دليلٌ على أنَّه ما مِن إجماعٍ إلَّا ودليلُهُ مِن الوحي؛ مِن كلامِ الله، وكلامِ رسولِه - صلى الله عليه وسلم -، مِنه؛ ما هو منصوصٌ بيِّن ظاهرٌ، ومِنه: ما هو عمَلٌ استَقرَّ، ولو لم يثبُتْ دليلُه؛ فلا يجوز الخروجُ عنه؛ لأنَّه لم يُجمِع الصحابةُ وَيَخضَعوا على كَثرتِهم وتنوُّعِ بُلْدانِهم إلَّا لِحُكمٍ بيِّنِ وعمَلٍ مستقرٍّ عندَهم.

إجماعُ الصحابةِ، وتحقُّقُهُ:

ولا بدَّ مِن تحقُّقِ الإجماعِ وثُبوتِه، وقيامِ أركانِهِ وشروطِه، لا كما يتَوسَّع فيه بعضُ الفقهاءِ بحكايةِ إجماعِ الصحابةِ عندَ وجودِ القولِ عن الواحدِ مِنهم وعدَمِ المُخالِفِ له في مسألةٍ حفيَّةٍ غيرِ ظاهرةٍ، أو مِمَّا لا تَعُمُّ به البْلْوى؛ فإنَّ إدخالَ هدا النوعِ إخراج لكثيرٍ مِن التابِعِينَ مِن السَّلَفِ؛ فعمَلُ الصَّحابيِّ الواحدِ ولا مُخالِفَ له في المسائلِ المغمورةِ كثيرٌ، ومنه: ما لا يصحُّ، ومنه: ما لم يَشتهِرْ عندَ أصحابِ الصحابيِّ نَفْسِهِ مِنَ التابعينَ، فكيف بغيرِهِ مِن أقرانِهِ الأبعَدِينَ مِنَ الصحابةِ ومَن بَعْدَهم؟ !

وبالنَّظرِ في هذا البابِ؛ فالمسائلُ التي حكى الفقهاءُ إجماعَ

<<  <  ج: ص:  >  >>