للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِيمَا طَعِمُوا﴾ [المائدة: ٩٣] (١).

وهما مِمَّا عمَّتْ بهِما البَلْوى، فاحتاجا إلى التدرُّجِ بالتنفيرِ منهما، والعمَلُ الذي تعُمُّ به البلوى يشُقُّ على الناسِ الإقلاعُ عنه مرَّةً واحدةً، فجاء الحُكْمُ مبيِّنًا غلَبَةَ شَرِّهِ على خيرِه.

ولمَّا كان المَيسِرُ والخمرُ يتَلبَّسُ بهما العامَّةُ والخاصَّةُ؛ جاء تحريمُهما على سبيلِ التدرُّجِ؛ حتَّى لا يَنفِرَ ضعيفُ الإيمانِ مِن تحريمِهما.

وكانت عملًا مشهورًا في أسواقِهم؛ تشرَّبَتْهُ قلوبُهم حتَّى بلَغَ أنَّهم يتَقامَرُونَ عَلَى أموالِهم وأولادِهم وأهلِيهم! فقد روى ابنُ جريرٍ، عن عليٍّ، عنِ ابنِ عبَّاسٍ؛ قال: المَيسِرُ: القِمَارُ؛ كان الرَّجُلُ في الجاهليَّةِ يُخاطِرُ عَلَى أهلِهِ ومالِهِ، فأيُّهما قَمَرَ صاحِبَهُ، ذهَبَ بأهلِهِ ومالِه (٢).

وكثيرًا ما يُقامِرونَ مع حضورِ الخَمْرِ؛ قال سَبْرَةُ بنُ عمرٍو الفَقْعَسيُّ:

نُحَابِي بها أَكفَاءَنَا وَنُهِينُهَا … وَنَشْرَبُ فِي أَثْمَانِهَا وَنُقَامِرُ

والخَمْرُ أكثرُ شيوعًا - في الأغنياءِ والفقراءِ - في الجاهليَّةِ، وهِي مِن غايةِ اللَّذَّاتِ عِندَهم؛ قال طَرَفَةُ بنُ العبدِ:

وَلَوْلَا ثَلَاثٌ هُنَّ مِنْ عِيْشَةِ الْفَتَى … وَجَدِّكَ لم أَحْفِلْ مَتَى قَامَ عُوَّدِي

فَمِنْهُنَّ سَبْقِي العَاذِلَاتِ بِشَرْبَةٍ … كُمَيْتٍ مَتَى مَا تَعْلُ بِالمَاءِ تُزْبِدِ

التدرُّجُ بتحريمِ الخمرِ والميسِرِ:

وقَد كان التدرُّجُ بتحريمِ الخمرِ والمَيْسِرِ؛ حتَّى يخرُجَ قويُّ الإيمانِ منها بالتلميحِ ويتجنَّبَها، فيكثُرَ سَوَادُ التارِكِينَ لها؛ لأنَّ قويَّ الإيمانِ يترُكُ


(١) "تفسير الطبري" (٨/ ٦٦٨).
(٢) "تفسير الطبري" (٣/ ٦٧٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>