للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورُوِيَ عن ابنِ عبَّاسٍ عمومُ الردِّ في الكافرِ والمُسلِمِ؛ فقد روى عنه عِكرمةُ؛ قال: مَن سلَّمَ عليك مِن خَلْقِ الله، فرُدَّ عليه وإن كان مجوسيًّا (١).

ابتداءُ الكافِرِ بالتحيَّةِ والسلامِ:

ويجوزُ ابتداءُ الكافرِ بالتحيَّةِ بغيرِ السلامِ مُطْلَقًا؛ كمَرْحَبًا وأهلًا ونحوِ ذلك، والردُّ عليه بمِثْلِها بالعربيَّةِ أو بما يفهمُهُ مِن لُغَتِه.

وأمَّا تحيةُ الكافرِ بالسلامِ ابتداءً، فلا تجوزُ؛ لأنَّها تحيةُ أهلِ الإسلام، وللنهيِ الواردِ في ذلك؛ كما صحَّ مِن حديثِ أبي هريرةَ، قال: قال رسولُ اللهِ : (لَا تَبْدَؤُوا الْيَهُودَ وَلَا النَّصَارَى بِالسَّلَام، فَإِذَا لَقِيتُمْ أَحَدَهُمْ في طَرِيقٍ، فَاضْطَرُّوهُ إِلَى أَضْيَقِهِ)؛ رواهُ مسلمٌ (٢).

وهو عامٌّ في كلِّ كافرٍ كتابيًّا وغيرَ كتابيٍّ، وقد جاء في روايةٍ لحديثِ أبي هريرةَ: (إِذَا لَقِيتُمُ المُشْرِكِينَ فِي طَرِيقٍ، فَلَا تَبْدَؤُوهُمْ بِالسَّلَامِ) (٣)، وأما ما جاء في سورةِ مريمَ مِن قولِ إبراهيمَ لأبيهِ: ﴿سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا﴾ [مريم: ٤٧]، فالحديثُ أصرَحُ في النهي، والآيةُ عامَّةٌ تَحتملُ الدعاءَ والخَبَرَ؛ لأنَّها في المُفارَقةِ بينَهما، لا في اللقاءِ وقد لا تُحمَلُ على معنى التحيَّةِ؛ وإنَّما على معنى الدعاءِ الذي نُهِيَ عنه إبراهيمُ بعدَ ذلك، أو على المفارَقَةِ على مُسالَمةٍ، لا مُقاتَلةٍ وحربٍ؛ وهذا شبيهٌ بقولِ اللهِ لنبيِّه : ﴿فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾ [الزخرف: ٨٩]، فهذه موادَعةٌ ومسالَمةٌ، لا تحيَّةٌ، وكلُّ الأحاديثِ


(١) "تفسير الطبري" (٧/ ٢٧٥)، و" تفسير ابن النذر" (٢/ ٨١٥)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (٣/ ١٠٢١).
(٢) أخرجه مسلم (٢١٦٧) (٤/ ١٧٠٧).
(٣) أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (٩٨٣٧) (٦/ ١٠)، وأحمد (٩٧٢٦) (٢/ ٤٤٤)، والبخاري في "الأدب المفرد" (١١١١)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (٩/ ٢٠٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>