للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تلازُمُ عهدُ الحليف يُلزِمُ جميعَ حلفائه:

وإذا انتقَضَ عهدُ جماعةٍ، انتقَضَ عهدُ حُلَفَائِهم، إنْ لم يكن للحلفاءِ عهدٌ خاصٌّ لم ينقُضُوهُ؛ فقد ثبَتَ في "الصحيحِ"، عن عِمْرانَ بنِ حُصَيْنٍ؛ قال: "كانت ثَقِيفُ حُلَفَاءَ لِبَنِي عُقَيْلٍ، فَأسَرَتْ ثَقِيف رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَأَسَرَ أَصحَابُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلًا مِنْ بَنِي عُقَيْلٍ، وَأَصَابُوا مَعَهُ العَضْبَاءَ، فَأَتَى عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَهُوَ فِي الوَثَاقِ، قَالَ: يَا مُحَمَّدُ! فَأَتَاهُ فَقَالَ: (مَا شَأْنُكَ؟ )، فَقَالَ: بِمَ أخَذْتَنِي وَبِمَ أَخَذْتَ سَابِقَةَ الحَاجِّ؟ فَقالَ إِعْظَامًا لِذلك: (أخَذْتُكَ بِجريرَةِ حُلَفَائِكَ ثَقِيف)، ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهُ، فنادَاهُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ يَا مُحَمَّدُ! وَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَحِيمًا رَقِيقًا؛ فَرَجَعَ إِلَيهِ فَقَالَ: (مَا شَأْنُكَ؟ )، قَالَ: إِنِّي مُسْلِمٌ، قَالَ: (لَو قُلْتَهَا وَأَنْتَ تَمْلِكُ أَمْرَكَ، أَفْلَحْتَ كُلَّ الفَلَاحِ)، ثُمَّ انْصَرَفَ، فَنَادَاهُ، فَقَالَ: يا مُحَمَّدُ، يَا مُحَمَّدُ. . ."، الحديثَ (١).

وأَكَّدَ اللهُ لزومَ الوفاءِ بالعهدِ والسلمِ بقولِه: {ادْخُلُوا}؛ لأنَّ الدخولَ انغماسٌ داخلَ الشيءِ، لا مجاوَرَةٌ له.

أحوالُ طلبِ المسالَمَةِ:

وطلبُ السلامِ بينَ المؤمنينَ والمشرِكِينَ على حالتَيْنِ:

الحالةُ الأُولى: في حالِ ضعفِ المؤمنينَ وقِلَّتِهم، وقوةِ الكافرينَ قوةً ظاهرةً غالبةً؛ فهُنا: يَجْنَحُ المؤمنونَ للسَّلْمِ.

قال تعالى: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} [الأنفال: ٦١]، وكما في قولِه: {ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} على التفسيرِ المتأخِّرِ لها، فهم سالَمُوا المشرِكِينَ لمصلحةِ دخولِهم المسجدَ الحرامَ، لا سلمًا يدفَعُونَ به شَرًّا عامًّا، ولكنْ لمَّا أرادَ المسلِمُونَ القُرْبَ مِن دارِهم وقرارِهِمْ، ودخولَ


(١) أخرجه مسلم (١٦٤١) (٣/ ١٢٦٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>