في هذه الآيةِ: تعظيمُ المساجدِ أنْ تُبنى لغيرِ الله، ولو كانتْ في ظاهرِها أنَّها له؛ لأنَّها مَجمَعُ المؤمِنين، ودَلَالةٌ على توحيدِ ربِّ العالَمين، وهي بيوتُه، وأهلُها زُوَّارُه، فيجِبُ أنْ تُطهَّرَ عن كلِّ مَقصَدِ سوءٍ.
وقد بُنِيَ مسجدُ الضِّرَارِ بكيدٍ بينَ النصارى والمُنَافِقينَ؛ فقد كان في الخَزْرَجِ رجلٌ يُقالُ له: أبو عامرٍ، تنَصَّرَ وترهَّبَ وتنسَّكَ في الجاهليَّةِ بالنصرانيَّة، ولمَّا قَدِمَ النبيُّ ﷺ المدينةَ، وظهَر أَمْرُه، وقَوِيَتْ شوكتُه، غاظَهُ ذلك وتربَّصَ به الدوائرَ، وفَكَّرَ وقَدَّر، وقُتِلَ كيف قدَّر، ولَحِقَ بقُرَيْش يُحَرِّضُهم، ثَمَّ لَحِقَ بهِرَقْلَ وأَبْدَى نصرانيَّتَهُ، وأنَّه على مِلَّتِهم ويُريدُ الخَلَاصَ مِن مِلَّةِ محمدٍ، فكاتَبَ قومًا مِن المنافِقينَ بتلك المكيدةِ؛ لِيَبْنُوا المسجدَ ويكونَ مكانًا له يأمَنُ على مَن يُريدُهُ مِن المُنافِقينَ، ويَلتقِي بهم ويُمْلِي عليهم، ويَجمَعُ السِّلاحَ لقتالِ النبيِّ ﷺ وأصحابِه، فبَنَوُا المسجدَ، وجاؤوا إلى النبيِّ ﷺ يَلتمِسونَ برَكَتَه وتشريعَهُ للصلاةِ فيه؛ وفي هذا عِظَمُ تواطُؤِ المنافِقينَ مع اليهودِ والنَّصَارَى.
طُرُقُ المُنافِقينَ في حَرْبِ الإسلامِ:
وللمُنافِقينَ مسالكُ وطرقٌ في حربِ الإسلامِ والإضرارِ به، وإضعافِهِ وتشويهِ أهلِه، وجامعُ طُرُقِهِمْ في ذلك طريقانِ: