للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطريقْ الأولُ: محاربتُهُ بالممنوع، وهذا الطريقُ يَسلُكونَهُ في حالِ قُوَّتِهم وأَمْنِهم، فيتَّخِذونَ وسائلَ ظاهرةَ المُحادَّةِ للإسلامِ مِن خارجِه؛ بإعانةِ الكفارِ مِن أهلِ الكتابِ وغيرِهم بالمالِ واللِّسَانِ وغَيرِ ذلك؛ كما يَفعَلُ مُنافِقو المدينةِ معَ يَهودِها، حينَما يَنصُرونَهُمْ ويُعَزِّرُونَهُمْ ويُثبِّتُونَهُمْ ويَعِدُونَهُمْ بالمُؤاخاةِ واتِّحادِ المصيرِ معَهم.

الطريقُ الثاني: محاربتُهُ بالمشروع، وهذا الطريقُ يَسلُكونَهُ في حالِ ضَعْفِهم وخَوْفِهم، فيتَّخِذونَ وسائلَ مشروعةً يُحسِنُ الناسُ الظنَّ بها، ويُقبِلونَ عليها؛ لِيُدخِلوا مِن خلالِها ما يُريدونَ مِن خُبْثٍ وشَرٍّ، وهذا يكونُ باستعمالِ وسائلِ الإسلامِ؛ كبناءِ المساجدِ وطباعةِ الكتبِ واستعمالِ أدلَّةِ التشريعِ المُشتبِهةِ لتسهيلِ مُرُورِ ما يُريدونَ مِن الشرِّ باسْمِ الإسلامِ؛ فإذا وجَدوا دليلًا مُشتبِهًا يَعْضُدُ شَرَّهم، تمسَّكوا به وأذاعُوه وأشاعُوه؛ ليتَترَّسوا به، وإذا وجَدُوا دليلًا صريحًا مُحْكَمًا يُعارِضُ هواهُمْ، كَشَحُوا بوُجُوهِهِمْ عنه.

وتعظيمُ المتشابِهاتِ اختبارٌ لموقفِ المُنافِقينَ مِنها؛ قال تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} [آل عمران: ٧].

ومِن هذا الطريقِ بَنَوْا مسجدَ الضِّرَارِ؛ لمَّا عجَزوا عن حربِ الإسلامِ مِن خارجِه، بَدَؤُوا به مِن داخِلِه، مع ما في بناءِ المساجدِ مِن إنفاقِ مالٍ وجهدٍ، إلَّا أنَّهم بذَلُوا ذلك لجُمْلةٍ مِن المَقَاصِدِ الظاهرةِ والخفيَّةِ:

منهاة شَقُّ صفِّ جماعةِ المُسلِمينَ حولَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في مَسجِدِهِ ومَجْلِسِه، وتدليسُهُمْ أنَّهم لم يَجْمَعوا الناسَ حولَهُمْ إلَّا لأجلِ عبادةِ الله، لا لأجلِ الدُّنيا، وإنَّما غايتُهم تعطيلُ ما يَدْعو إليه رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؛ وهذا ما لا يُدرِكُهُ أهلُ الغَفْلةِ والغَرَارةِ مِن المؤمنِينَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>